الـتـعـاضـديـات توضح شرعية تدبيرها للـمنـشـآت الاجـتـمـاعـيـة ذات الـطـابـع الـصـحـي



رداً على  الـمواقف الـمعبر عنها من طرف هيئات منتجي العلاج من أطباء وصيادلة حُيال الـمنشآت الاجتماعية ذات الطابع الصحي التابعة للتعاضديات على هامش عرض مشروع القانون رقم 109.12 بـمثابة مدونة التعاضد، والـمتداولة على صفحات بعض اليوميات الصحفية والإلكترونية، والتي تنم عن كثير من الـمغالطات؛ فإن تنسيقية الـمؤسسات التعاضدية بالـمغرب أبت، على إثر اجتماعها ليوم الثلاثاء 26 يناير 2016، إلاّ أن توضح للرأي العام الـمغربي وللـمهتمين بالشأن التعاضدي على وجه الـخصوص من خلال هذا البيان موقفها من هذه التصريـحات الـمجانبة للحقيقة.
إن  الـمؤسسات التعاضدية الـمنظمة في إطار الظهير الشريف رقم 1-57-187 الصادر بتاريخ 24 جمادى الثانية 1383 (12 نوفمبر 1963) القاضي بسن نظام أساسي للتعاون الـمتبادل، تعتبر أحـد الروافد الأساسية للاقتصاد الاجتماعي بالـمغرب؛ إذ ساهمت -منذ العقد الثاني من القرن الـماضي- من خلال قيمها التضامنية في تطوير التغطية الصحية في الـمغرب وإرساء حق الـمنخرطين وذويهم في الولوج إلى العلاج.
وقد اعتمدت التعاضديات سياسة القرب في عرض خدماتها العلاجية على مـجموع تراب الـمملكة هادفة بذلك المساهمة في تنمية السياسة العمومية في مـجال الصحة؛ وهو نفس النهج الذي كرّسه مضمون الفصل 31 من دستور الـمملكة لسنة 2011،و الذي ألزم الدولة والـمؤسسات العمومية والـجماعات الترابية إلى تعبئة كل الوسائل الـمتاحة من أجل تيسير أسباب استفادة الـمواطنات والـمواطنين، على قدم الـمساواة، من الحق في :
-         العلاج والعناية الصحية؛
-         الحماية الاجتماعية والتغطية الصحية، والتضامن التعاضدي أو الـمنظم من لدن الدولة...إلـخ.
وقد تكرس دور التعاضديات هذا، من خلال منشآتها الاجتماعية ذات الطابع الصحي الـمحدثة طبقا لـمقتضيات النظام الأساسي للتعاون الـمتبادل أعلاه وخاصة منه الفصل 38.
وفي هذا الإطار، فإن أكثر من 4 ملايين مستفيد مـمن تشملهم التغطية الصحية الأساسية في القطاع العام، أمكنهم الاستفادة من خدمات الـمنشآت الاجتماعية التعاضدية ذات الطابع الصحي. كما شكلت هذه الوحدات مصدراً لتشغيل يد عاملة مؤهـلـة (تتجاوز 1.000 من الأطر الطبية و شبه طبية و كذا الإداريين)، بالإضافـة إلى كونها تُساعد في تكميل التغطية الصحية الإجبارية بفضل تيسير الولوج للعلاج نظرا للإمكانيات المادية المحدودة لشريحة مهمة من المنخرطين.
والتعاضديات إذ أحدثت هذه الـمنشآت، فقد اعتمدت في ذلك على تـمويلاتها الذاتية الـمتأتية كلياً من مساهمات واشتراكات الـمنخرطين، مراعية في ذلك مبدأ حرية اختيار الـمنخرط في الاستفادة -على قدم الـمساواة- من الـخدمات العلاجية التي توفرها هذه الـمنشآت أو تلك التي يُتيحها القطاع الحر.
وتـجدر الإشارة أيضا، إلـى أن هذه الـمنـشـآت تُـمـكـن، مـن جـهـة، مـن تـنـظـيـم تـعـرفـة الـخـدمـات الـطـبـيـة مـقـارنـة مـع الـقـطـاع الـحـر الـذي يـفـوق بـكـثـيـر الإمـكـانـيـات الـمـاديـة لأغـلـبـيـة الـمـؤمـنـيـن الاجـتـمـاعـيـيـن؛ ومـن جـهـة أخـرى، تـعـيـد الـتـوازن لـخـدمـات الـعـلاج الـمـعـروضـة مـقـارنـة مـع مـا يـقـدمـه الـقـطـاع الـعـمـومـي فـي هـذا الـصـدد، خـاصـة بـعـد دخـول نـظـام الـمـسـاعـدة الـطـبـيـة حـيـز الـتـطـبـيـق.
ويتبين مـما سبق، أن احتفاظ الـمؤسسة التعاضدية بـمنشآتها الاجتماعية ذات الطابع الصحي، أضحى مكتسبا أساسيا للمنخرطين، خاصة وأن معظم تعاضديات القطاع العام الـمعنية بـحالة التنافي الـمنصوص عليها في مقتضيات الـمادة 44 من القانون رقم 65.00 بـمثابة مدونة التغطية الصحية الأساسية قد تجاوزتها عن طريق الفصل بين الـمهام الـمرتبطة بالتأمين الصحي عن تلك الـمتعلقة بتوفير العلاج. وقد حضي هذا الحل القانوني السليم بموافقة المؤسساتيين وأفضى إلى إحداث تعاضدية مكلفة بتدبير الوحدات الصحية مستقلة عن التعاضدية التاريـخية التي ظلت تُباشر تدبير التغطية الصحية الأساسية في إطار اتفاقية التدبير الـمُفوض.
إن الـمجهودات التي بدلتها التعاضديات من أجل إخراج الصيغ الـملائمة على أرض الواقع لرفع حالة التنافي أعلاه، لأمرٌ أملاه عليها التزامها الراسخ باحترام مبادئ القانون والامتثال للشرعية، ضمانا لاستمراريتها كمؤسسة تعاضدية مسؤولة، تضع الـمنخرط في صلب اهتماماتها، مع سعيها الدائم للمحافظة على الـمكتسبات التي حققتها عبر عقود من الزمن، في تناغم تام مع تطلعات جلالة الملك مـحمد السادس نصره الله وأيده الذي دعا في رسالته الملكية الموجهة للمشاركين في الندوة الوطنية للصحة بمراكش أيام 1-3 يوليوز 2013 إلى فتح نقاش واسع وبناء، كفيل بالمساهمة في تحقيق إجماع عريض حول تحديد التحديات الكبرى، والأولويات الصحية الرئيسية، فضلا عن إيجاد الإجابات الناجعة، لا سيما للإشكالات المتعلقة بتفعيل الحق الدستوري في العلاج والعناية والتغطية الصحية، والأمن الصحي، واعتماد حكامة صحية جيدة، وتطوير النظام التعاضدي، والحد من الفوارق المجالية، من أجل الولوج العادل للعلاج.
و إضافة إلى هذا، نـجد أن الـمادة 60 من القانون رقم 131.13 الـمتعلق بـمزاولة مهنة الطب قد رخصت للتعاضديات باعتبارها شخص اعتباري خاضع للقانون الـخاص ولا يهدف إلى الـحصول على الربح من تـملك مصحة طبية.
كما أن الـمادة 9 من القانون الإطار رقم 34.09 الـمتعلق بالـمنظومة الصحية وعرض العلاجات  تحث على  أن تُنظم التعاضديات أنشطتها بشكل فعال يؤهلها للاسـتجابة للحاجيـات الصحيـة بواسـطة عـرض علاجـات وخدمـات متكاملـة ومندمجـة ومتناسقة.
وهو الـموقف الذي تبناه الـمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي عند نظره في كل من مشروع القانون رقم 109.12 بـمثابة مدونة التعاضد في صيغته الأولية، الـمُحال عليه من قبل مـجلس الـمستشارين، أو الـمشروع القانون رقم 131.13 الـمتعلق بـمزاولة مهنة الطب الـمُحال عليه من قبل مـجلس النواب، حيث دعا بـخصوص مشروع مزاولة مهنة الطب إلى :"تخصيــص أحــكام خاصــة بقطــاع الاقتصــاد الاجتماعــي والتضامنــي (التعاضديــات)، وإزالـة جميـع العراقيـل القانونيـة، بحيـث يمكـن لهـذا القطـاع المسـاهمة الكاملـة، وحسـب الشـروط الـمهنيـة التـي تتوفـر لباقـي القطاعـات. مذكـرا في هذا الصدد بالتحفـظ فــي الــرأي الــذي أبـداه بشــأن الـنسخة الأولية لـمشـروع القانــون رقم 109.12 بـمثابـة مدونــة التعاضــد، علــى إبعــاد هــذا القطـاع مــن الأنشـطة الطبيـة، وأوصـى بإعـادة إدمـاج النشـاط الطبـي فـي مـجـال الأنشـطة التـي تقـوم بهـا التعاضديـات، دون تـمييـز وفـي نفـس الشـروط وبنفـس القواعـد التـي تحكـم مهنـة الطـب؛ وهو التوجه الذي سلكه مـجلس الـمستشارين عند نظره في مشروع مدونة التعاضد، حيث أجاز للتعاضدية إمكانية خلق وتدبير هذه الـمنشآت الاجتماعية ذات الطابع الصحي نظراً لدورها الاقتصادي والاجتماعي الذي تلعبه في تنظيم النشاط الصحي بالـمملكة.

ميلود معصيد
منسق تنسيقية الـمؤسسات التعاضدية بالـمغرب

مراسلة

مراد لكحل
لتربية ماروك - تجمع الأساتذة

Post a Comment

إضافة تعليق على الموضوع مع عدم تضمنه لعبارات مسيئة
شكرا على مشاركتكم

أحدث أقدم