قراءة قانونية لمرسوم التشغيل بموجب عقود بالإدارات العمومية

دكتود العربي محمد مياد - دكتور في الحقوق


قبل الحديث عن التشغيل بالعقود ، لا بد من التذكير بأنه  تنفيذا للمرسوم رقم 2.05.1367 بتاريخ 2 دجنبر 2005 صدر المنشور رقم 9 بتاريخ 25 يونيو 2009 حول ترقية الأعوان المتعاقدين في إطار القانون العام ، حيث يتم ترقي الأعوان المتعاقدين العاملين بالإدارات العمومية والجماعات الترابية في الدرجة أو الإطار وذلك مماثلة مع الموظفين النظامين ، ويتم هذا الترقي في الدرجة أو الاطار بواسطة ملحقات عقود باقتراح من الإدارات العمومية والجماعات الترابية المعنية يتم عرضها على تأشيرة السلطتين الحكوميتين المكلفتين بالمالية والوظيفة العمومية

  
غير أن المرسوم الذي نحن بصدده ، أوجد  تغطية أساسه التشريعي في الفصل 6 المكرر الذي ينص على أنه " يمكن للإدارات العمومية عند الاقتضاء أن تشغل أعوانا بموجب عقود وفق الشروط والكيفيات المحددة بموجب مرسوم . ولا ينتج عن هذا التشغيل في أي حال من الأحوال حق الترسيم في أطر الإدارة." 

  
يستشف من هذا الفصل أن التوظيف بالعقود إنما هو وسيلة لكي يلج البعض الإدارة العمومية دون ان يكون له أي حق من الحقوق التي يستفيد منها قرينه المرسم . هذه القاعدة ولا شك ستجعلنا نفهم كنه المبادرة الحكومية على ما سنوضح

 
بداية لابد من التنبيه أن المرسوم المذكور يتضمن 18 مادة مقسمة إلى ثلاثة أبواب ينظم  الباب الأول المقتضيات العامة والباب الثاني شروط وكيفيات تشغيل الخبراء بموجب عقود والباب الثالث شروط وكيفيات تشغيل الأعوان بموجب عقود

 
وهكذا  يتضح أن الغاية من إصدار المرسوم المذكور ، هو فتح الإمكانيات للحكومة  للتشغيل بموجب عقود لصنفين من المتعاقدين
*
خبراء لإنجاز مشاريع أو دراسات أو تقديم استشارات أو خبرات أو القيام بمهام محددة ، يتعذر القيام من قبل الإدارة بإمكانياتها الذاتية ؛ 
*
أعوان للقيام بوظائف ذات طابع مؤقت أو عرضي

 
وقد اكدت المادة 3 من هذا المرسوم بأنه لا يمكن في جميع الأحوال أن يؤدي هذا التشغيل بموجب عقود إلى ترسيم المتعاقد معه في أطر الإدارة

  
وللاستفادة من تشغيل  الخبراء بالعقود لابد من تحقق بعض الشروط أهما ألا يقل مستوى المرشح على الاجازة مع تجربة مهنية لا تقل عن 10 سنوات في القطاع العام أو الخاص ، وألا يتجاوز عدد الخبراء بالنسبة لكل قطاع 12 خبيرا

  
ويتم تشغيل الخبراء بموجب عقود لا تتعدى مدتها سنتين، ويمكن تجديد هذه العقود لمدة محددة إضافية دون أن تتجاوز 4 سنوات.ويستفيد هذا الخبير من أجرة جزافية شهرية حسب مستواه العلمي وتجربته المهنية وطبيعة المهام المراد اسنادها بالإضافة إلى التعويضات عن التنقل . وهذا هو مربط الفرس

  
أما بالنسبة للأعوان فمدة تشغيلهم لا تتعدى 12 شهرا قابلة للتمديد مرة واحدة ، شريطة حصولهم على شهادة أو دبلوم يسمح بولوج درجة من الدرجات النظامية المماثلة للمنصب الذي سيشغله العون المزمع التعاقد معه ناهيك التجربة والمؤهلات الحرفية  أو المهنية

  
ويتم التشغيل بموجب عقود بناء على مباره بعد عملية انتقاء أولي بناء على دراسة لملفات المرشحين

  
يستشف من هذا المرسوم أن هناك رغبة لدى واضعه، هو فتح المجال لمن خرج من الباب لكي يعود من النافذة إلى دواليب الإدارة العمومية .وذلك عن طريق فتح الباب للمقربين من المتقاعدين والمغادرين في إطار المغادرة الطوعية و لما لا ذوي القربى من "المناضلين الحزبيين " وغيرهم
  
ويكفي التأكيد أن الإدارة العمومية والترابية تضم ما يناهز 40 ألف متصرف مستواهم  الجامعي لا يقل عن الإجازة  في مختلف التخصصات ، بالإضافة إلى أكثر من 11ألف مهندس وأكثر من 12ألف طبيبا وصيدليا وغيرهم

 
وهذا يعني أن المبرر الذي تعتمده السلطة الحكومية المكلفة بتحديث الإدارة  من الصعب فهمه كما سوق له ، ولنا أن تساءل  هل بهذه المبادرة الحكومية سيتم القطع  مع موضة الصفقات العمومية الخاصة بالدراسات  أو المناولة التي اتخذتها بعض الإدارات تصرفا معتادا، حتى لو كان موضوع الدراسة  عاديا من قبيل وضع هيكلة لمديرية ما ، أو اعداد مشروع قانون  مع وجود مقترح قانون سابق عليه  ؟ لاسيما مع وجود خبراء تابعين لتلك الإدارات وهم في موضع تهميش ممنهج، والبعض منهم هو من يصادق على منتوج الشركة التي أعدت الدراسة إن لم يكن شارك فيها عن طريق المناولة من الباطن

  
في اعتقدنا ، فإن السبب المعلن لإصدار مرسوم بالتشغيل بالعقود لا يمكن إقراره بكل بساطة، خاصة وأن الوزارة المعنية ومعها الحكومة ما فتئت تعتمد تقنية المراسيم من أجل تهميش دور السلطة التشريعية صاحبة الاختصاص في مجال الوظيفة العمومية والتشغيل

  
وهذا ما أكده الفصل 71 من الدستور الذي اعتبر من مجال القانون،  كل ما يتعلق بالوظيفة العمومية والضمانات الأساسية للموظفين المدنيين والعسكريين بالإضافة إلى علاقات الشغل ... 

وختاما، نرى بأنه أننا على يقين بأن هذه الحكومة لا تلتفت إلى الخبراء المتواجدين بقطاعي الوظيفة العمومية والترابية  ولا سيما الحاملين لشهادة دكتوراه الدولة والدكتوراه الوطنية متشبثة بشعار" مطرب الحي لا يطرب "، والأمل معقود على الحكومة المقبلة لعلها بمعية أغلبها تنفض الغبار على المقترح قانون الذي تقدمت  به إحدى الفرق البرلمانية من أجل رفع الحيف عن الخبراء  العموميين ، والذي تعاملت معهم الحكومة الحالية بالإقبار
   
كما أننا نقول بأعلى صوتنا بأن الموظفين العاملين بالإدارات العمومية لحد الآن ولا سيما الخبراء منهم يعتبرون مناضلين بما تحمله هذه الكلمة من معنى ، وكان بإمكانهم الولوج إلى القطاع الخاص الوطني أو الاجنبي وفضلوا خدمة وطنهم من موقعهم ، مع علمهم أن دخلهم زهيدا مقارنة مع زملائهم في القطاع الخاص أو المؤسسات العمومية . لذا يتعين على كل المسؤولين الحكوميين وغير الحكوميين اتخاذ هذا المعطى بعين الاعتبار، قبل اصدار أحكام قيمة بعيدا عن الموضوعية

د العربي محمد مياد - دكتور في الحقوق
تربية ماروك - بتصرف

1 تعليقات

إضافة تعليق على الموضوع مع عدم تضمنه لعبارات مسيئة
شكرا على مشاركتكم

  1. مرحبا
    استاذ العربي الله يجزيك بخير و بحكم انك متخصص و دكتور فالقانون لاحبذا لو تكلمتي لينا علي عاد لموضوع في ارتباطه بالاساتذة المتعاقدين..و شكرا بزااااف

    ردحذف

إرسال تعليق

إضافة تعليق على الموضوع مع عدم تضمنه لعبارات مسيئة
شكرا على مشاركتكم

أحدث أقدم