الطابع الإنساني بين النفسي والاجتماعي - مقال



بقلم ذ عبد الحفيظ الزياني

ترتبط العلاقات الإنسانية، ارتباطا وثيقا، بتعدد الوظائف والخاصيات، فالطابع الإنساني لهذه العلاقة يجعلها صعبة الإدراك، بسبب إشكالية دراستها، المرتبطة أساسا بطبيعتها المركبة، إضافة إلى اتصافها بسيادة الميول والرغبات، المتحكم الرئيسي في إنتاج المعرفة القيمية، التي تصب في منحى إصدار أحكام القيمة المعيارية، على حساب الموضوعية، إذ تطغى على المعارف المكتسبة، وتتخذ شكلا نمطيا جاهزا، وهي صورة واضحة لسلطة وهيمنة الذات.
تظل التربية الركيزة الأساسية لخلق الانسجام بين الأفراد نحو بناء المعرفة الجيدة، إذ أنها قناة لربط التفكير بالأخلاق، كما تعتبر حلقة وصل بين الأفراد وبين المجتمع، لكونها تلعب دورا بارزا في خلق منظومة القيم، لامتلاكها القدرة على خلق الرقابة الأخلاقية التي تقوم بتوجيه المعارف في اتجاه المثل الأعلى، كما تقوم بتنصيب الأخلاق على رأس المعرفة، باعتبارها الموجه الفعلي للتفكير النابع من توجيه السلوك نحو الاستقامة، لتصبح قادرة على بناء الشخصية السوية، ففي غياب الأخلاق، تظل كل المعارف باطلة، وقابلة للتقييم ثم التقويم، بل تكاد تكون دون جدوى.
يتضح إذن، أن التربية تقوم بدور إرساء معالم الشخصية السوية، التي تمتلك أدوات مراقبة وتوجيه السلوك في اتجاه الأصلح، فالفكر المبني على قواعد المعرفة المتأصلة والمبنية على قواعد المنهج العلمي، يتحرى في جميع مراحله معياري الصحة والثبات، بعيدا عن الدغمائية، لتظل التربية سمة بارزة من سمات توجيه منظومة الأفكار السوية، التي تتوحد تحت مسمى الأخلاق، لتمتلك طابعا اجتماعيا إنسانيا أخلاقيا، يخضع لسلطة ورقابة القيم، فقد تقطع المعرفة أشواطا مهمة داخل المجتمع الذي يربطها به علاقة الانتماء، فلا تكاد تقف عند هذه الحدود، بل تتعاداها لتصبح قابلة للاستهلاك، لهذا فهي في حاجة دائمة إلى تواصل عقلاني، يستحضر، في كل آن، أساسيتان، وهما: الموضوعية، والعلمية.
تتصف العلوم ذات الطبيعة الإنسانية بعدم الاستقرار لارتباطها بالسلوك الإنساني الذي اعتبرته جل الدراسات، القديمة منها والحديثة، سلوكا غير مستقر، وغير ثابت، فالسلوك الإنساني يصدر عن المزاج، وهو دلالة على الشخصية التي يصعب فهم قوامها وكنهها، لارتباطها بالعامل السيكولوجي الذي يصعب مقاربته ميدانيا، إذ ترتبط الظاهرة الإنسانية، ارتباطا وثيقا، بغياب عنصري الموضوعية والعلمية، الأمر الذي يؤدي إلى السقوط في الذاتية والمعيارية.
يتحكم في الكائن الإنساني عاملان أساسيان: العامل النفسي و العامل الاجتماعي، فالفرد يتفاعل مع ذاته الداخلية عبر سلوك سيكولوجي ينبثق من أعماق الذات، إلى جانب بنائه العقلي الذي تتحكم فيه عوامل من قبيل : البيئة والدين والمعرفة، أما عن الجانب الاجتماعي فيمثل علاقة الفرد بالجماعة التي ينتمي إليها، فالفرد كائن اجتماعي بطبعه، ولا يمكنه مطلقا العيش بمعزل عن الجماعة، مما يمنحه صفة الانتماء و يضفي الطابع الاجتماعي على سلوكه، وهو مكون أساس من مكونات بناء شخصيته .
يجرنا الحديث السالف إلى شعبة من شعب السيكوسوسيولوجيا، أي ما يصطلح عليه بعلم النفس الاجتماعي، الذي يعتبر من فروع علم النفس، فهو علم يتناول السلوك النفسي في تفاعله مع الجماعة والمحيط، كما يشمل دراسة علمية للفرد داخل جماعته، ويمثل علاقات ذات طابع تفاعلي دينامي لمجموعة أشخاص، ومن أهدافه الرئيسية بناء دينامية الجماعة، وتحليل سلوك الفرد في شقه الاجتماعي .
إن علاقة الفرد بالجماعة التي ينتمي إليها هي علاقة تأثير وتأثر، وهي علاقة بناء لماهية المجتمع ومقوماته، والجماعات تتعدد وتتنوع، فإذا كانت كلمة جماعة ترمز لمجموعة أفراد يحكمهم ضمير جمعي  يحدد الأوامر والنواهي، فإنه يمكن تسمية مجتمع كل مؤسسة اجتماعية تتضمن مجموعة أفراد تحكمهم علاقة وارتباط بناء على تعاقد اجتماعي، لهذا فإن الأسرة والمدرسة والدولة مجتمعات، بحسب التحديد السالف، لنخلص في النهاية إلى أن المجتمع يتشكل من عناصر ثلاث : طرفان أو أكثر وعقد يضم التزامات ضمنية و مسماة .
تعد المدرسة حلقة ربط بين نواتين اجتماعيتين : الأسرة والمجتمع، ومن المفاهيم التي ارتبطت بالحياة المدرسية، نجد مفهوم التعاون الذي يعد من آليات الدينامية الجماعية، وعنصرا هاما لتأهيل الطفل وتعويده على التفكير التعاوني، ثم القدرة على التكيف بمتطلبات بيئته، وخلق التوافق بين رغباته واحتياجات جماعته، ومن أبرز غايات الفضاء المدرسي، تكوينه تكوينا يجعله قادرا على الإنتاج، ليلعب دورا اجتماعيا في محيطه، حتى يتمكن من التأثير فيه نحو الأفضل.
يهتم علم النفس الاجتماعي المدرسي، بخلق علاقة الترابط بين المدرسة والعالم الخارجي، قصد تمكين الطفل من استيعاب المفهوم الحقيقي للمجتمع، فعلاقة الفرد بالجماعة علاقة تتحدد من خلال ثنائية التأثير والتأثر، لأجل خدمة غايتين: إعادة تكوين الفرد وتربيته تربية اجتماعية سليمة من خلال تفاعله النفسي الاجتماعي مع منظومة القيم، لأجل غاية أعم وأشمل وهي ضمان الفاعلية في البناء الاجتماعي.
تكاد تكون أدوار المدرسة اليوم، أكثر من أي وقت مضى، من أصعب الأدوار، لكون العلاقة بين المدرسة والمجتمع تكاد تكون قاصرة ودون جدوى، فهي تتصف بمجموعة نقائص أدت إلى خلق الارتباك بينهما، ويعزى السبب الرئيس إلى غياب تصور مضبوط لمواصفات المجتمع الذي نريد، بالإضافة إلى غياب المواصفات الحقيقية والآليات الكفيلة بخلق مجتمع قادر على استيعاب أفراده .

بقلم ذ عبد الحفيظ الزياني

Post a Comment

إضافة تعليق على الموضوع مع عدم تضمنه لعبارات مسيئة
شكرا على مشاركتكم

أحدث أقدم