ندوة دولية حول العنف في الوسط المدرسي بمراكش‏



عبد الرحيم الضاقية- تحت شعار " من أجل وسط مدرسي بدون عنف " انعقدت بمراكش أيام 13/14 أبريل 2014 ندوة دولية. وكانت من تنظيم منظمة التضامن الجامعي المغربي وبشراكة مع فيدرالية المستقلين للتضامن الفرنسية  بمدرسة أريحا الخصوصية .وقد انطلقت الأشغال بكلمة توجيهية من ذ.عبد الجليل باحدو رئيس التضامن الجامعي المغربي الذي أبرز م خلالها السياقات السياسية والتربوية والمجتمعية التي تنعقد فيها الندوة . مذكرا بالاختلالات التي أصبحت نعرفها المنظومة التربوية  وخاصة منها المدرسة العمومية التي يراهن عليها الجميع لتحقيق التنمية الشاملة . ولاحظ أن العنف أصبح ظاهرة تخترق المجتمع العام وان شظاياه بدأت تصل الى المدرسة التي من المفروض أن تكون موقعا آمنا بحكم دورها في تربية الأجيال .وأكد على أن المدخل البيداغوجي لمحاربة العنف بحكم أن المدرسة تعلم المعرفة والسلوك وهما رادعان حقيقيان للعنف .وقدم شكره للجهات المساهمة في التنظيم والاحتضان .ومن جهته نوه ذ. أحمد بن الزي مدير أكاديمية تانسيفت الحوز بالمبادرة وأهمية الأمن المدرسي كمدخل لتعزيز دور المؤسسة التعليمية . مذكرا بانخراط الأكاديمية في ورش المواجهة المفتوح مع العنف عبر مرصد جهوي لمواجهة العنف في الوسط المدرسي الذي أنجز دراسة مرقمة ومضبوطة حول العنف . كما حث المشاركين /ات على تعزيز الشراكة وتبادل التجرية مع الطرف الفرنسي على هذا المستوى ، متمنيا للجميع مقاما سعيدا بمراكش . في نفس الإتجاه سارت كلمة ذ. روجي كروك رئيس فيدرالية المستقلين للتضامن الفرنسية الذي ثمن الشراكة مع الطرف المغربي وأكد على أهمية موضوعة العنف في الوسط المدرسي التي أصبحت قضية رأي عام ومثار تخوف الآباء والأمهات ومعهم المجتمع .وتعرف مظاهر العنف تحولا كبيرا حيث أضيفت المظاهر الإلكترونية الى اللاعتداءات الجسدية والأخلاقية مما عقد التعامل معها . واعتبر أن الرد الناجع على هذه الوقائع والمظاهر يكمن في قيم العدالة والكرامة والحرية التي تبثها المدرسة . وقبل الجلسة العلمية الاولى تم تكريم كل من  الأستاذين السكتاوي ومدير الأكاديمية والسيد شفيقي مدير المناهج والسيد محمد ملموس مدير المؤسسة المحتضنة .وانطلقت الجلسة الاولى بعرض د. فؤاد شفيقي مدير المناهج بوزارة التربية الوطنية تحت عنوان (( أولويات معالجة مظاهر العنف في الوسط المدرسي في منظومة التربية والتكوين بالمغرب )) وقد تمحور حول سياق عام للإصلاح التربوي الشامل والمرجعيات القانونية التي تحكم الموضوع ثم وضع تعريفا إجرائيا للعنف ثم رسم معالم تصور جديد من أجل مخطط وزاري لمواجهة العنف في الأوساط المدرسية التي تعرف تنوعا واختلافا باختلاف السياقات والمجالات والأوضاع على طول وعرض الوطن . وختم مداخلته ببسط مخطط الوزارة الذي يرتكز على التأطير والعمل المندمج لمواجهة العنف الذي يتخذ أشكالا وألوانا متعددة تبدأ بأشياء صغيرة لتنتهي بظواهر ثقيلة العواقب . وقد ساهم في الندوة أحد المتخصصين والخبراء العالميين في موضوع العنف وهو إريك دوباربيو الذي تقدم بثلاث مداخلات خلال الندوة كانت الأولى منصبة على وضع إطار عام لتنامي الظاهرة والمنهجيات الواجب استعمالها لبناء نماذج رصد وتحليل وفهم الظاهرة قبل التسرع في الإجراءات العلاجية . وأصر على محاربة الأفكار الخاطئة حول العنف ومنها استسهال الحوادث المصنفة (( بسيطة ))أو ما يسميه الأصوت الخافتة ، وكذلك التهويل الكبير الذي تعكسه وسائل الإعلام حول الحوادث التي تقع في المدارس ، كما نبه إلى عدم الانسياق وراء التحليلات المتسرعة التي تذهب الى استحالة مواجهة العنف بوسائل تربوية .وعاد الأستاذ والكاتب دوباربيو الى الموضوع في مداخلة ثانية معتمدا على مثلث جديد للتدخل مكون من: المدرسة -الأولياء -الأتراب  لمواجهة نوع جديد من العنف يستخدم تيكنولوجيا حديثة ( هواتف نقالة – ألانترنيت ...) حيث يصبح العنف مفتوحا أي خارج  زمان ومكان المدرسة . ويتحول العنف من عملية فردية إلى أفعال جماعية  تسقط الضحية في الوصم و العزلة النفسية والاجتماعية مما يؤدي إلى الانقطاع أو الانتحار .وأصبح الحديث عن الافتراس الإلكتروني عبر المطاردة عل صفحات المواقع الاجتماعية والهواتف الذكية . وفي مداخلته الأخيرة في اليوم الثاني عكس كثيرا من التجارب والأبحاث الميدانية التي قادها على مدى 35 سنة في الاتحاد الأوربي وافريقا( جيبوتي ) وأمريكا اللاثينية  والتي تؤكد كلها على تحولات كبرى في أدوات العنف ومظاهره حسب الثقافات والحساسيات المجتمعية ، منوها بأن العنف يولد في الفصل الدراسي على شكل حوادث صغيرة ليصبح آليات تخريبية للمجتمع برمته . وقد اقترح مواجهته عبرالإلتفاف الجماعي للمجتمع حول المظاهر المشينة . وقد بين بعض عناصر التشخيص والمواجهة  من خلال أفلام تربوية وبرنامج " ضد التحرش" الذي ينتجه التلاميذ/ات ومعهم . ومن جانبه أبرز د. اسماعيل العلوي أستاذ علم النفس العصبي المعرفي بكلية آداب فاس ، في مداخلة بعنوان : ((العنف في المدرسة والبرمجة العصبية للمشاهد العنيفة)) ،خطورة الوضع بالنسبة لما أصبح يستهلكه الأطفال من صور على شاشات التلفاز والهواتف والألواح الإلكترونية .بحيث وقع تحول في أدمغة الأطفال بفعل التلوث البصري الذي يتعرضون له . وأثار، بناء على دراسات ميدانية، تراجع قدرات الأطفال في إنجاز مهارات ايجابية مثل التذكر والتحليل النقدي والقدرة على الانتقاء...ويمكن أن ينتج عن هذا التحول ثقافة عدم الصبر والعنف والشعور بإمكانية تحويل كل العمليات الى تطبيقات إلكترونية .ناهيك عن مظاهر قلة النوم والانطواء والشراهة والتبلد الوجداني الذي يسحب الشعور بالمواسات والتأثر مما يسهل سلوك طرق عدوانية تجاه الآخر . واقترح الأستاذ الباحث حلولا عملية لهذه الظاهرة الخطيرة من خلال المدرسة عبر الثقافة النقدية وضرورة فتح الحوار في المدرسة حول التربية على الاختيار ونقد الصورة وإعادة النظر في البرامج والمناهج . وتميزت الجلسة الثانية من تسيير ذ.ابراهيم الباعمراني بتقديم خلاصة دراسة ميدانية أنجزها المرصد الجهوي للمواجهة العنف في الوسط المدرسي بأكاديمية مراكش.وقد كشف العرض الذي قدمه ذ.حسن فراج عن أرقام صادمة ومخيفة حول حجم ظاهرة العنف في نيابة مراكش مثلا التي وصل فيها على مستوى الثانوي مايفوق 84 في المئة وخلصت الدراسة الموثقة الى انتشار للعنف في كل نيابات الجهة لكن بشكل مختلف . وبينت الأرقام أن التلميذ/ة هو المنتج والمستهدف من العنف بنسبة 90 في المئة . وفي العرض الثاني قدم المتدخل إستراتيجية المرصد لمواجهة العنف  من خلال تحديد المفهوم وإرساء آليات التتبع والمواكبة والتوعية وتدبير المساطر الإدارية والقانونية مع المتدخلين الآخرين والشركاء .أما الشق القانوني من الندوة الدولية فقد أغناه المحامي النقيب فرانسيس ليك الذي قدم عبر ثلاث مداخلات وضعية العنف  المدرسي من خلال الشبكات الاجتماعية الرائجة في المحاكم الفرنسية . وقد عززمداخلاته بعرض قضايا ونماذج من النوازل التي يبرز فيها تحديد المسؤوليات القانونية والتربوية .نفس المنحى ذهب إليه ذ.عبد العزيز العتيقي من هيئة المحامين بفاس ، حيث قدم مداخلة بعنوان ((الضمانات التأديبة لعضو الهيئة التعليمية بالمغرب)) . واختار أن تكون مسارات المساطر القانونية خيطا رابطا لتفاعله مع الحاضرين من خلال وضع الإطار القانوني المرجعي وتحديد المخالفات والعقوبات والضمانات ثم مسطرة الطعن  ثم أخيرا رد الاعتبار .وقدم المحاضر نماذج من الأخطاء القانونية والمسطرية وقصور بعض النصوص، والتحايل الذي يتم أثناء تنفيذ القرارات .وكانت  الجلسة الختامية التي سيرها باقتدار د.عزيزلوكيلي مناسبة لعرض تجارب التضامن الجامعي وفيدرالية المستقلين بفرنسا والأوراش التي يتعين فتحها مع الجهات الوصية(التعليم والوظيفة العمومية)عبر تبادل الخبرات واستكشاف سبل تعزيز الحماية والرفع من الوعي التضامني عبر التكوين والتواصل .وقد برمجت خلال الندوة فترات للمناقشة أنصت فيه المحاضرون/ات الى الآراء  والتفاعلات مع طروحات المتدخلين ، كما تم تقديم ورقة ختامية عبارة عن توصيات اتجهت نحو تعزيز الوعي بظاهرة العنف المدرسي وابتداع آليات المواجهة المتعددة الأساليب ثم الالتفات إلى موضوعة التكوين المستمر للمدرسين/ات عبر مصوغات تطبيقية قادرة على رفع الكثير من الآراء والأحكام المسبقة التي لازالت رائجة.

عبد الرحيم الضاقية -تجمع الأساتذة بالمغرب

Post a Comment

إضافة تعليق على الموضوع مع عدم تضمنه لعبارات مسيئة
شكرا على مشاركتكم

أحدث أقدم