تعميم التعليم الأولي و إعادة النظر في برامجه مدخل لأي إصلاح للمدرسة المغربية


محمد بنوي - تناولنا في المقال الأول  مجموعة من الاختلالات  التي تعانيها منظومتنا التربوية انخراطا منا في النقاش الدائر في إطار المشاورات التي فتحتها وزارة التربية الوطنية و التكوين المهني حول المدرسة المغربية و اقترحنا مجموعة من الأفكار التي تندرج في إطار الحلول لتجاوز ما تعيشه المدرسة المغربية من أزمات في عدة مجالات و مستويات منها ما يتعلق بالبرامج و المناهج و القيم و هيئة التدريس و الإدارة التربوية و هيئة التأطير التربوي وهيئة  الاستشارة و التوجيه و متدخلين و شركاء داخل المنظومة منها جمعيات أمهات و آباء  التلميذات والتلاميذ و المتعلمين أنفسهم و هيئات المجتمع المدني و الإعلام و الجماعات المحلية و مختلف السلطات و الإدارات المعنية انسجاما مع شعار "المدرسة شـأن الجميع"
في هذا المقال سنتناول مجالا من المجالات التي أعتبرها شخصيا مدخلا مهما لإصلاح المدرسة المغربية و حججي في ذلك كثيرة و متنوعة ستتبين طبيعتها في ثنايا الموضوع و هو مجال التعليم الأولي و الذي أفضل تسميته بالتعليم ما قبل المدرسي .
إن البلدان التي تحتل حاليا المراتب الأولى في التصنيف العالمي حول التعليم تعطي أولوية و أهمية قصوى لهذا النوع من التعليم في جميع مخططاتها و برامجها لأنه هو الأساس في مرحلة ما قبل التمدرس أي المرحلة الابتدائية لأنه يهم مرحلة الطفولة و بالتحديد المرحلة المتوسطة ما بين ثلاث وست سنوات ,إذ يجمع علماء التربية أن كل شيء في شخصية الإنسان لما يصبح راشدا يتقرر قبل ست سنوات من عمره فماذا أعدت منظومتنا التربوية من عدة لهذا المجال و هذه المرحلة؟ بالفعل و كما أسلفنا الذكر في المقال الأول فأن هناك جوانب إيجابية و مشرقة في مشاريع الإصلاح السابقة التي أنجزت و ذكرنا بأنها لم يتم تنزيلها إلى واقع الممارسة التربوية و توقفت في منتصف الطريق لأسباب لا يفسح المجال لذكرها الآن و يكفي أن نذكر بالأفكار التي جاء بها الكتاب الأبيض حول التعليم الأولي الذي اعتبر هذا النوع من التعليم جزءا من التعليم الابتدائي الذي يضم ثمان سنوات و يتعين على الطفل أن يقضي سنتين في مرحلة ما قبل التمدرس -4 إلى 6 سنوات- يتلقن فيها الطفل مجموعة من المبادئ الأولية و المهارات قبل أن يلتحق بالستة الأولى ابتدائي حيث قامت وزارة التربية الوطنية ما بين سنتي 2001 و 2003 بحملة وطنية و صرفت أموال في التكوين و التأطير و الإشعاع لفتح أقسام لهذا النوع من الفئة العمرية في كل مدرسة ابتدائية و تشجيع القطاع الخاص لفتح المزيد من المؤسسات و قد حددت سنة 2006كأفق لتعميم هذا النوع من التعليم على جميع الأطفال المغاربة فأين نحن من هذا ؟؟؟؟لماذا تم إجهاض هذا المشروع قبل أن يخرج للوجود ؟
لذلك نرى أن مدخل الإصلاح ينبغي أن يبدأ من هنا من الطفولة من مرحلة ما قبل التمدرس ,فمن خلال تجربتي المتواضعة في الإدارة التربوية في مؤسسة للتعليم الخصوصي  خلال 15 سنة وقفت على حقيقة علمية ثابتة لا تقبل أي شك أن الأطفال الذين قضوا ثلاث أو سنتين في التعليم الأولي استطاعوا مواصلة المشوار الدراسي في الابتدائي و الثانوي الإعدادي و ألتأهيلي و حصلوا على البكالوريا بمعدل متفوق أهلهم للالتحاق بمختلف المدارس العليا و في مختلف التخصصات هذا على مستوى التحصيل المعرفي و العلمي أما على المستوى القيمي فإنهم الآن يتوفرون على شخصية قوية و على روح وطنية و أخلاقية عالية لأنهم تلقوا منذ الصغر تربية سليمة تكرس ثقافة التفوق و المواطنة ومن هؤلاء من التحق بسوق العمل  و منهم  من في طور التخرج ومستعدون لخدمة وطنهم و مجتمعهم كل في مجال تخصصه و يضعون مسافة كبيرة بينهم و بين القيم الفاسدة التي تنخر المجتمع الأول كالسرقة و العنف و استغلال النفوذ و المركز الاجتماعي و الرشوة واحترام المرأة و الطفل و العجزة و بصفة عامة التحلي بالسلوك المدني المتحضر ...و هذا هو دور التعليم الأولي لأنهم  تلقوا التربية على القيم النبيلة و الخلاقة من طرف مربيهم و مربياتهم بتنسيق مع الأسرة و هذا الأمر ينطبق على مؤسسات أخرى على الصعيد الوطني .
من هنا يظهر أن أإصلاح المدرسة المغربية ينبغي أن يبدأ من تعميم التعليم الأولي أولا لأن نصف أطفال المغرب خارج هذا النوع من التعليم ثانيا اختيار برامج و مناهج مسايرة لهذا العصر إذ يعيش فيه الطفل وأن يتم  تلقينه مجموعة من المهارات و الكيفيات " الكلام و الجلوس و الوقوف طريقة الأكل احترام الآخر نبد العنف اللفظي و الجسدي الرمزي و المادي و تصحيح السلوكات و القيم الخاطئة التي يجلبها الطفل من الأسرة و الشارع و الإعلام المرئي "و أخد مبادئ أولية ما قبل المدرسية "ماقبل القراءة ,ما قبل الكتابة , ما قبل التعبير , ماقبل الحساب إلخ"
إن البلدان السالفة الذكر التي تحتل المراتب العشر الأولى في سلم التعليم العالمي هي تلك التي ينجز في مدارسها على الأقل 60 في المائة من الإجراءات المتضمنة في هذا الصنف من التعليم و ينبغي أن ننظر إلى المستقبل بكل تفاؤل وأن نهتم بطفولتنا و بالتعليم ما قبل المدرسي لأنه أساس النجاح و التفوق .

بقلم محمد بنوي باحث تربوي

يتبع

Post a Comment

إضافة تعليق على الموضوع مع عدم تضمنه لعبارات مسيئة
شكرا على مشاركتكم

أحدث أقدم