باحة التفكير: كيف نصنع ثورة للتفكير ؟ - مقال


محسن الأكرمين


صناعة التفكير من أقل الصناعات الثقيلة المتوفرة بالمؤسسات التعليمية المغربية، فالتفكير مهارة تستوجب عمليات ذهنية متسلسلة تنتج تفاعلا بين الذكاء والإحساس. فحين يجرنا لطفا الحديث عن أنواع التفكير، نسقط لماما في صناعة تحويلية للتفكير تتقلب نحو طلبات الاستهلاك، و وفق أنماط العقلية الجماعية.
كيف يمكن صناعة التفكير بالفصول الدراسية؟، وهل حقا المؤسسة التعليمية تصنع التفكير أم تكرس نمطا معينا بالتقليد؟، وهل نحن في حاجة إلى إحداث صناعة ثقيلة للتفكير توازي سلم الجرأة والتحدي والثورة الحداثية؟. من الصعب تخصيص التفكير بأسلوب معين من التعريف، من الصعب إيجاد الرضا التام من سلطة التفكير المشاكس الذي نطمح إلى صناعته وفق معايير القيم الاجتماعية والحرية والكرامة. لكن من السهل خلق رجة تفكير بالمؤسسات التعليمية لاستنبات مشتل التفكير التنويري. ومن الحسنات الأولية الممكنة من الإصلاح التربوي الثورة على أنماط مشاريع التفكير الصامت بالمؤسسات التعليمية وبداية صياغة الإصلاح وفق منظور بداية إنتاج السؤال الفلسفي. من السهل خلق نمطية تشابه التفكير واستنساخه بكل أريحية مؤشرات التحكم ، لكن من الصعب التحكم في انزلاقا ته الآتية.
لحد الآن تم تغافل الإجابة الصريحة عن الأسئلة الموجهة لصناعة التفكير التنويري، وتم الضغط على التحليل منهجيا بمصطلحات تراكمية متداولة بقوة في الحقل الاجتماعي المغربي . كيف،ِ و نحن مازلنا نتيه حول تحديد الإجابة الشافية عن سؤال، ما التفكير الصالح للمواطن الصالح؟. فحال المؤسسات التعليمية المغربية تعيش كفاف إنتاج التفكير بمعايير الجودة الكونية، تعيش وضعية ختم منتوج مخرجات التفكير بعلامة حصرية نمطية الاستنساخ، ولا تتطلع لشيء من الإصلاح أبعد من ظل أنفه في الأرض. هو التفكير البسيط السكوني و الذي يحمل مصطلحا بحد التعسف " التفكير التقليدي"، و من حسنات هذا التفكير التقليدي الفضلى استحضار الماضي و التعامل معه بأيدي الانتقاء لخدمة الحاضر وأوجه الحداثة، بمعنى أن الماضي لازال مستمرا في معالجة قضايا الحاضر.
هي الإشكالية المتفاقمة والقائمة منذ زمن المدرسة الوطنية، هي إشكالية إعادة التكرير لسحب شظايا قواطع التفكير المتعرج وتحديد نموذج خط مستقيم. نعم، حين نتعامل مع المعرفة الموجهة بالتحكم ونكرسها بالتراكم على مستوى الذهن، فإننا نلغي عمليات طرح الأفكار بالتناطح أو التوافق، فإننا نضيق من مساحة العقل الناقد وبناء السؤال الفلسفي، فإننا نضحي لزوما بالتقييم والتفكير الإبداعي ونركن إلى الاجترار الممل.
أعتقد مع ترجيح القول، أن صناعة التفكير بالمؤسسات التعليمية باتت صناعة كاسدة، فمادامت عمليات الشحن المستمر داخل فصولنا الدراسية قائمة، ومادامت نمطية التقويم تتمركز حول استرجاع البضاعة الأولى، ومادامت صناعة السؤال الفلسفي ليس بالحاضر ولا المرغوب به في الفصل الدراسي فإننا نقلص من تنوع المعرفة ولا نصنع الاختلاف والتنوع في التفكير المستقبلي.
ممكن أن نقر من الآن بأننا في حاجة ماسة إلى تصويب آليات صناعة التفكير من منطلق المدرسة، ممكن من الآن الانتباه إلى المسارات المستقبلية من ركوب مستند التفكير الخنوع والقنوع بالوضعية الاجتماعية المكرسة عدة مرات منذ الزمن الماضي، ممكن من الآن إيجاد موطأ قدم للسؤال حتى في متم شيطنته الماكرة بالاختلاف والتنوع، ممكن أن نحدد موجهات تسوق تفكيرا يحمل بصمات الثقة في الذات والآخر، يحمل جينات الاختلاف المعرفي والفهم العادل للمستقبل، يحمل بيئة معلوماتية مخزنة وفق دقة الملاحظة وقدرة الاسترجاع السليمة لعناصر الماضي الذي ما ينفك يمضي وضحى المستقبل الذي يأتي بكل حمولاته الجارفة والواقفة أساسا على تفعيل منهج الاستدراك والضبط.
ليس من الخطأ صناعة تفكير يحمل التنوع والابتكار، يحمل الإثارة المنتفضة على أسس العقل الجمعي، يحمل سؤال المعارضة و فضفضة الحداثة والتجديد. ليس من الخطأ التفكير من بعيد في صناعة كيس أمان يقي من حوادث التفكير الجانبي و المشاغب. لكن الخطأ الكبير يوجد في قولبة التفكير وفق نمط مظلة شمس حارقة، والعمل على حمل بطاقة الإقصاء في وجه الاعتراض و الاختلاف، من الخطأ القاتل أننا نهمل التدريب المستمر للتفكير الحداثي و التقليدي، نهمل تجديد منهج التحليل التاريخي للإحداث في ترابطاتها المادية، نجهل بالتمام أن الماضي حاضر بيننا بقوة وعلينا إعادة إنشاء معامل للتكرير وتحرير التفكير بملمح التجديد.

باحة تفكير: ذ محسن الأكرمين.

Post a Comment

إضافة تعليق على الموضوع مع عدم تضمنه لعبارات مسيئة
شكرا على مشاركتكم

أحدث أقدم