النظام الأساسي الجديد: مشروع أساسي؟ أم نظام أساسي ؟

 


بقلم: عبد الحفيظ زياني

يشترط تموقع المدرسة العمومية، في ظرفية جد حساسة، سياقا مجتمعيا متسما بوضعية تشعبت خصوصياتها وتنوعت مميزاتها، وهو سياق تحكمت فيه موجهات تعقدت بتعقيد النقاش الدائر حولها، بسبب ظروف، استثنائية و شاذة، فرضتها مرحلة تمحورت، بالأساس، حول مولود جديد لم ينل  الإجماع المنشود بصدده، من خلال فرض وضع لم يراع لا الخصوصيات ولا الظرفية، يتعلق الأمر بنظام أساسي أسس لثورة، احتجاج، وغضب، تسبب في احتجاجات غير متوقعة وغير مسبوقة، الأمر الذي يفرض على جل الأطراف المتدخلة، كل من زاويته، استحضار النظرة الموضوعية، المتمركزة حول إجبارية البحث عن الحل، إذ أن الطابع العام الذي تنتمي إليه المؤسسة التربوية، يضعها أمام إكراهين، زمني و ظرفي، ذاتي وموضوعي، يحتم كل منهما ضرورة استرجاع الثقة، أولا، ثم وضع لبنات اتفاق جديد يتأسس على العقلنة وبعد النظر، في أفق إصلاح حقيقي يحمل على عاتقه هم المدرسة العمومية بمكوناتها وعناصرها، على النقيض تماما مما اصطلح عليه بالتجويد، الذي يكاد يشكل مصطلحا فضفاضا يحمل في ثناياه غموضا غارقا في العموميات، ومقاربة بعيدة عن المراد، الأمر الذي لقي رفضا، فالمرحلة تقتضي تدخلا ناجعا و سريعا، باعتماد حل يروم الخروج من عنق الزجاجة، لأن الزمن الضائع جد مكلف، وسيكون له انعكاسات جد خطيرة، فالحلقة المفقودة يجب أن تشكل نقطة انطلاق هذه الرغبة الإصلاحية، إن توفرت لدى الأطراف، والتي تضع الأستاذ في صدارة الأهداف، باعتباره قطب رحى العملية التعليمية في جميع مراحلها وأشواطها، وأساسا محوريا للمدرسة العمومية.

يعرف الواقع المدرسي اليوم شللا بسبب نظام أساسي حكم عليه بالرفض لما تضمنه من إجحاف في حق مهندسي العملية التربوية، بل جسد تراجعات على كافة الأصعدة، بإجماع المهتمين، إضافة إلى تكريس الفوارق بين الفئات، وغياب الإنصاف على مستوى مكونات المنظومة التربوية في شموليتها،  إضافة إلى كونه لم يراع النجاعة أسلوبا ومنهاجا، كما شكل تراجعا على مستوى مجموعة من الجوانب، على رأسها آليات الترقي، ثم تكريس القبضة الحديدية بخصوص العقوبات التأديبية، تميز أيضا هذا المولود الجديد بعدم مطابقته للحاجيات الأساس في شموليتها، ثم غياب مواكبته للتنوع الملحوظ للمجالات المادية و البشرية.

رغم كل ما سلف، تظل الجهود المبذولة لأجل صياغة نظام أساسي شمولي و فعال، يستجيب للحاجيات الأساسية، مجهودات جد متواضعة، بل لا ترق إلى مستوى القبول، كونها جاءت خارج سياق المنتظر منها، وخيبت آمال هيئة التدريس، باعتبارها المتضرر الأكبر من مشروع قانون أسس على أعمدة هشة وركز على السرعة القصوى في إخراجه إلى الوجود، ولعل ما صارت تعانيه المدرسة العمومية، اليوم، من هدر للزمن المدرسي، ومحدودية النتائج والآثار، وقصور الممارسات البيداغوجية المعتمدة، يفرض التعجيل بضرورة فتح نقاش موسع، في سبيل البحث عن حل جماعي، كما يفرض أيضا وقفة تقويمية مع الذات، باعتماد مقاربة إصلاحية شاملة، ترتكز على تبني نظام أساسي منسجم من حيث الأسس والمرتكزات، الأمر الذي يبرر رفض مضامينه جملة وتفصيلا، و المطالبة بإعادة إنتاجه من جديد باعتماد رؤية استراتيجية فاعلة وصياغة واضحة لبنوده و محاوره.

 بدون شك، فإن خريطة طريق الإصلاح، لابد أن تنبني على تصور شمولي لمدرسة عمومية بمواصفات جديدة تراعي الجودة الفعلية، لا مجرد شعار يتم التغني به، كما يجب أن تضم ضمن مرتكزاتها الرئيسة: اعتماد معيار تكافؤ الفرص، الرفع من المردودية، وصولا إلى تحقيق الجودة للجميع، ثم الارتقاء بالفرد في إطار دينامي جماعي، لذا، فإن الانتقال من مرحلة الأزمة والاحتقان إلى مرحلة الاستقرار، يفرض تجاوز أساليب العصا السحرية واعتماد الحلول من جانب واحد، في سياق مجتمعي و دولي غير مناسب، فالأزمة الحقيقية هي أزمة غياب إشراك العنصر الأساسي في العملية، لتظل تنمية الحس التواصلي، وتكريس آليات تدبير الأزمات أنجع السبل و أرقاها للوصول إلى حل توافقي يجنب المدرسة العمومية أزمات إضافية.

Post a Comment

إضافة تعليق على الموضوع مع عدم تضمنه لعبارات مسيئة
شكرا على مشاركتكم

أحدث أقدم