الطاقة البشرية مدخل كل إصلاح (مقال)

 


عبد الحفيظ زياني

 تعيش المدرسة العمومية اليوم لحظة توقف مطولة، تشترط نقاشا عقلانيا وهادئا، لأجل التفكير بجدية في مخرج للأزمة التي ولدت نتيجة إصدار المرسوم بمثابة النظام الأساسي الضابط والمنظم لمسار موظفي قطاع التربية الوطنية،  والذي جاء بعد لقاءات استبشر من خلالها المعنيون بالأمر(موظفو قطاع التربية الوطنية) خيرا، بعد أن عرفت وضعيتهم المهنية ركودا عمر طويلا، لكن سرعان ما انفجر الوضع، وخلف احتجاجات طالبت بوقفه وإسقاطه.

 في ظل سياق تعليمي متسم بالفوضى و الارتباك على كافة المستويات، خلف ورائه شللا مس العملية التعليمية في العمق، فإن خيار البحث عن سيناريو إصلاح يمتلك الجرأة اللازمة، ويتسم بطابع استعجالي صرف، والذي من خلاله يمكن تجنب الأسوأ، فالهدف تدارك الوضع، والبحث عن حل توافقي للأزمة النشاز، وهي أزمة جد مكلفة، تشترط الجرأة الكافية للاعتراف بالأخطاء، باعتماد إصلاح عاجل وحقيقي للمدرسة المغربية، ولا يجب أن نخلق تمييزا، هنا، بين الخصوصي و العمومي، لكي لا نكرس الفوارق داخل مجتمع بات فيه الكل سيان، فالمدرسة المغربية كل لا يتجزأ، وهي في حاجة إلى إصلاح شمولي، يتبنى منظومة شاملة، وينطلق من سياسة تعليمية موحدة، الفرق بسيط و جزئي، لا علاقة له لا بمنطق الأفضل، ولا بالجودة و المردودية، وهنا يكمن الإشكال، صحيح أن الموارد البشرية في التعليم الخصوصي تنتمي للقطاع الخاص، وهو مسار له دروبه، مميزاته، وخصوصياته، أما التعليم العمومي، فيندرج ضمن الوظيفة العمومية، التي تختلف من خلال مسار الولوج، الآفاق، والخصوصيات أيضا، والوزارة مطالبة بالسهر على تسيير القطاعين، رغم الاختلاف، لهذا، فالتساؤل المشروع الذي يفرض نفسه هنا، هو: إذا كان النظام الأساسي يعني فقط الموارد البشرية العاملة بالمدرسة العمومية، فما موقع العاملين بالتعليم الخصوص؟ وهل يمكنهم الاشتغال بدون نظام أساسي؟

لقد أضحى مدبرو قطاع التعليم، في هذه الظرفية الاستثنائية، مطالبين بتبني مقاربة تواصلية مميزة وفريدة، يستحضر من خلالها الرزانة وبعد النظر، فالواقع الراهن لا يبشر بخير، فمن باب تبني منطق الصواب، واعتماد الخيار الموضوعي لما يجري في الساحة التعليمية، كان على الوزارة أن تراعي الاحتياجات الأساس، الظروف و الخصوصيات، فاتساع الهوة بين الأطراف ( وزارة، نقابات، موظفون) لن يزيد سوى من تكريس أزمة الثقة، فعندما تنحصر  هذه العلاقة فيما هو ضيق وآلي، ولا تتأسس على مقاربة وتعاقد قوي، مبني على أعمدة صلبة، فإن كل المحاولات الرامية لتقريب وجهات النظر تظل يائسة، في الوقت الذي وجب فيه التمييز بين الثابت والمتحول في العلاقة، وبين الذاتي والموضوعي أيضا، يبدو واضحا أن المدرسة العمومية أضحت تعيش موتا كلينيكيا،  لهذا، فهي في أمس الحاجة لتدخل جميع الأطراف، من باب توحيد التوجهات و الرؤى، وإذا كانت قضية التعليم قضية اجتماعية بالأساس، فإنها تستدعي المتابعة المنتظمة و الدائمة، في إطار مشروع مجتمع متماسك الأركان. 

إن طبيعة العلاقة بين جميع الأطراف المتدخلة، تشترط عاملين: الفاعلية والنجاعة، فهي الكفيلة بإنجاح الأدوار، من خلال العمل على تحقيق المصالحة مع الذات، كضامن فريد للعودة إلى وضعية الثبات والاستقرار،  من خلال القدرة على فهم متطلبات المرحلة، ومسايرة الوضع، شريطة توحيد الجهود، في سبيل وضع أسس قارة وثابتة لخريطة طريق إصلاح شمولي يتجاوز حدود المراسيم المنظمة، يعترف بمكانة القوة البشرية المؤهلة، القادرة على رفع التحدي وكسب الرهان.

لقد وجب العمل على بناء حياة مدرسية سليمة، منفتحة على البيئة المغربية،  ومحصنة من الشوائب، قوامها الأساسي المردودية الجيدة، ورأسمالها الحقيقي الطاقة البشرية، حينذاك ستصبح ميدانا خصبا، يمتلك مواصفات البيئة السليمة لممارسة التربية الجيدة، تمارس فيه التربية اعتمادا على مقاربات علمية يتم تحيينها باستمرار، وأرضية أنسب لتحصين المدرسة من التشوهات وانحراف المسار .

 

 

Post a Comment

إضافة تعليق على الموضوع مع عدم تضمنه لعبارات مسيئة
شكرا على مشاركتكم

أحدث أقدم