كرونولوجية إصلاح المدرسة المغربية ونموذج مدرسة الريادة

 


حميد عباوي، 

متصرف تربوي، بسيدي قاسم

تعتبر نهاية التسعينيات من القرن العشرين وبداية القرن الواحد والعشرين، مرحلة فاصلة في تاريخ المملكة المغربية، تميزت بتحولات وإصلاحات جذرية همت كافة المجالات الاقتصادية والاجتماعية، ضمنها "التعليم"، الذي أصبح محل نقاش ومشاورات وطنية على أعلى مستوى، لينطلق في دينامية إصلاحية سطعت مع وثيقة "الميثاق الوطني للتربية والتكوين"، الذي دخل حيز التنفيذ ابتداء من شتنبر 2000. ميثاق كان ثمرة مجهود لجنة ملكية خاصة عينها الملك الراحل الحسن الثاني طيب الله ثراه، والتي ضمت في عضويتها ممثلي جميع الهيئات والفعاليات، اكتسب الصبغة التشريعية عبر المؤسسة الدستورية المختصة بعد أن أحيل على البرلمان بمقتضى الخطاب الملكي السامي لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده، بتاريخ 08 أكتوبر 1999، ليشكل بذلك أول توافق مجتمعي مغربي بشأن المدرسة، ويكرس أول إصلاح نسقي للمنظومة التربوية، ويجعل من قطاع التربية والتعليم ثاني قضية وطنية بعد قضية الوحدة الترابية للمملكة المغربية، ويعلن سنوات 2000-2009 عشرية وطنية للتربية والتكوين في إطار التعبئة الوطنية لتجديد المدرسة.

ومن المهم للغاية الإشارة أنه بتاريخ 10 فبراير 2006 أسس المجلس الأعلى للتعليم، والذي سيصبح فيما بعد أو يحل محله المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي بتاريخ 16 ماي 2014، تطبيقًا لمقتضيات الفصل 169 من دستور 2011، الذي سيجعل منه هيئة دستورية استشارية مهمتها إبداء الآراء حول كل السياسات العمومية والقضايا الوطنية التي تهم التربية والتكوين والبحث العلمي، وكذا حول أهداف المرافق العمومية المكلفة بهذه الميادين وسيرها. كما يساهم في تقييم السياسات والبرامج العمومية في هذا المجال.

هذه المؤسسة ستلعب دورًا هامًا في سيرورة إصلاح المدرسة المغربية، من خلال التقارير التي تعدها، ولعل من أبرزها تقرير سنة 2008 عن حالة المنظومة الوطنية للتربية والتكوين وآفاقها، والتقرير الموضوعاتي لسنة 2009، والتقرير الاستراتيجي حول إصلاح المنظومة التربوية سنة 2014، وما تلاها من تقارير تستند إلى أبحاث ميدانية ودراسات وطنية ودولية حول التعليم، خاصة منها:

           البرنامج الوطني لتقييم المكتسبات (PNEA)

           الدراسة الدولية لقياس مهارات القراءة (PIRLS)

           الدراسة الدولية للتوجهات في تدريس الرياضيات والعلوم (TIMSS)

           البرنامج الدولي لتقييم التلاميذ (PISA)

هذه التقارير والدراسات نبهت إلى أن منظومة التربية والتكوين ما زالت تعاني من اختلالات ميدانية تعيق تحقيق النتائج المنتظرة من العملية التعليمية التعلمية، رغم كل المجهودات المبذولة، وهو ما سيجعل الوزارة الوصية على القطاع تعيد ضبط إعدادات المنظومة من خلال تجدد مخططات وبرامج الإصلاح كلما دعت الضرورة. لذلك، مع نهاية العشرية الوطنية للتربية والتكوين وبداية الموسم الدراسي 2009-2010، ظهر البرنامج الاستعجالي، الذي كان بمثابة خطة استعجالية لإجراء إصلاح المدرسة المغربية وفق تصور الميثاق الوطني للتربية والتكوين، برنامج حمل طموح إصلاح بيداغوجي وابتكر حلول تمويلية للمؤسسات التعليمية، وحمل زخماً تشريعياً هم جل الحياة المدرسية، برنامج ارتبط بتمويلات ضخمة أصبحت في وقت لاحق مثار جدل محاسباتي، ليكتب له الطي المبكر ويطوى معه طموح الإصلاح البيداغوجي المعروف آنذاك ببيداغوجيا الإدماج وما رافقه من دلائل وكراسات...

وبصدور تقرير المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي سنة 2014، دخلت المنظومة التربوية في مرحلة جديدة من الإصلاح، تؤطره نظرياً الرؤيا الاستراتيجية 2015-2030، وإجرائياً الدعامة القانونية المتمثلة في القانون الإطار 51.17، وعدد من المشاريع والخطط، خاصة خارطة الطريق للإصلاح 2022-2026، التي جاء بها الوزير السابق شكيب بن موسى، رئيس اللجنة الاستشارية الخاصة بالنموذج التنموي الجديد، التي شكلت سنة 2019 إثر خطاب صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده بمناسبة عيد العرش المجيد.

خارطة الطريق للإصلاح 2022-2026 عبارة عن برنامج وخطة للتنزيل الفعلي لمقتضيات القانون الإطار، خاصة في مجال أهدافها الاستراتيجية الثلاث المتمثلة في:

           الرفع من نسب التحكم في التعلمات الأساسية؛

           تقليص نسب الهدر المدرسي؛

           ضمان استفادة قصوى من الأنشطة الموازية.

من خلال هذه الأهداف، التي يتم أجرأتها في إطار مشروع المؤسسة المندمج، تظهر ميدانياً مقتضيات القانون الإطار 51.17، الذي نص في ديباجته على أن جوهره يتمثل في "إرساء مدرسة جديدة مفتوحة أمام الجميع، تتوخى تأهيل الرأسمال البشري، مستندة إلى ركيزتي المساواة وتكافؤ الفرص من جهة، والجودة للجميع من جهة أخرى، بغية تحقيق الهدف الأسمى المتمثل في الارتقاء بالفرد وتقدم المجتمع."

ومما ذكر ضمن الأهداف الأساسية لمنظومة التربية والتكوين والبحث العلمي بالمادة 3 منه:

تحسين جودة التعلمات والتكوين وتطوير الوسائل اللازمة لتحقيق ذلك، ولا سيما من خلال تكثيف التعلم عبر التكنولوجيات التربوية الحديثة، والرفع من نجاعة أداء الفاعلين التربويين، والنهوض بالبحث التربوي، والمراجعة العميقة والمستمرة والمنتظمة للمناهج والبرامج والتكوينات؛

-  محاربة الهدر والانقطاع المدرسيين بكل الوسائل المتاحة،..."

وفي إطار الأهداف الاستراتيجية لخارطة الطريق السابقة الذكر، نص القانون الإطار في المادة 28 منه على: "إلزامية إدماج الأنشطة الثقافية والرياضية والإبداعية في صلب المناهج التعليمية والبرامج البيداغوجية والتكوينية."

بناءً على ما سبق، تكون خارطة الطريق أجرأة فعلية للقانون الإطار، ويكون نموذج "مؤسسات الريادة" من إجراءات خارطة الطريق 2022-2026، بحيث شرع في التنزيل الفعلي للمشروع منذ شتنبر 2023 بمؤسسات مختارة من السلك الابتدائي على وجه الخصوص، ليتم بعد ذلك الرفع من عددها بشكل سنوي في أفق تعميمها بالموازاة مع استهداف باقي أسلاك التعليم المدرسي.

لكن هذا المشروع، الذي يطمح لتجديد المدرسة المغربية، سرعان ما أصبح مثار جدل، خاصة بروز احتجاجات ما يسمى حالياً بجيل Z، بحيث جدت هذه الاحتجاجات المطلب الشعبي بإصلاح التعليم. كما أثار مشروع مؤسسات الريادة تساؤلات شعبية بشأن غايات الإصلاح البيداغوجي الذي يحمله نموذج المدرسة الرائدة، حتى لا يواجه هذا المشروع مصير البرنامج الاستعجالي. ولتنوير القارئ، نسلط الضوء على أبرز جوانب الإصلاح التي حملها مشروع مدارس الريادة، والتي يمكن حصرها في مجالين على الأقل: الأول يشمل تأهيل المؤسسات المنخرطة في المشروع ودعم تمويلها، والثاني يتعلق بالجانب التربوي البيداغوجي.

فيما يتعلق بتأهيل مؤسسات الريادة، تجسد المدرسة الرائدة الطموح الفعلي لكافة المتدخلين، بل حتى المواطن الزائر قد يلمس ويكتشف فيها الصورة التي ربما كانت تقتصر على المؤسسات التعليمية بالأحياء الراقية والمتوسطة أو بالتجمعات الشبه حضرية المحظوظة، بنية مادية وتجهيزات في المستوى المطلوب، حيث تم إعادة تأهيلها بالكامل، كما تم تزويد الحجرات الدراسية بالمساليط الضوئية وتزويد المدرسين العاملين بها بالحواسيب المحمولة. كما تم الرفع من المنحة المخصصة للمؤسسات التعليمية في إطار مشروع المؤسسة المندمج إلى مبلغ يناهز 150000 درهم، منحة مؤطرة بشراكة بين المديريات الإقليمية والمؤسسات التعليمية التابعة لها. هذه المنحة من شأنها تمكين المؤسسات التعليمية الرائدة من تغطية تكاليف الصيانة والنفقات التدبيرية المعتادة وتغطية نفقات أنشطة الحياة المدرسية وغيرها.

المثير للانتباه أن هذا الشق الرئيسي الأول من المشروع، رغم ما لقيه من نجاح بشهادة المتدخلين المباشرين والأطر العاملة بالمؤسسات التعليمية الرائدة، لم يسلط عليه الضوء بالشكل الكافي. ومن باب الإنصاف، يجب التنويه بالإصلاحات والحِرص على استمرارها وتطويرها من خلال تجديد الأطر المرجعية المحاسباتية بالمؤسسات التعليمية وملاءمتها مع قواعد ومبادئ المحاسبة العمومية، وتوظيف الأطر المختصة في التسيير المادي والمالي الكافية لسد الخصاص بالمؤسسات التعليمية، بما فيها بالسلك الابتدائي، خاصة في ظل مهننة الوظائف بقطاع التربية الوطنية وتحديد وحصر الاختصاصات وفق مقتضيات المرسوم 2.24.140 بتاريخ 23 فبراير 2024 في شأن النظام الأساسي الخاص بموظفي الوزارة المكلفة بالتربية الوطنية، وكذلك في ظل الدعوة لوقف التدبير وفق ظهير الحريات العامة بمؤسسات تابعة للإدارة العمومية، خاصة مع وجود أطر ذات تكوين وكفاءة عالية، مختصة في مجال التدبير المادي والمالي، قادرة على تجديد الترسانة التشريعية المحاسباتية للمنظومة، والتي يعود بعضها لفترة ما قبل الاستقلال، كما يمكنها اقتراح آليات جديدة لتمويل المؤسسات التعليمية في أفق اعتبارها مؤسسات عمومية ذاتية التسيير.

أما مجال الإصلاح الثاني، ويهم الشق التربوي البيداغوجي، ويروم تحقيق أهداف خارطة الطريق، خاصة ضمان الإنصاف وتكافؤ الفرص بالوسط المدرسي، والحد من الهدر المدرسي المستشري بالوسط المدرسي، إضافة إلى الرفع من المردودية التربوية للمؤسسات التعليمية، فبلوغ هذه الأهداف تستند خطة العمل على معالجة التعثرات بدعم المتعلمين غير المتحكمين، باعتماد وتبني مقاربات بيداغوجية جديدة تتمثل في التعليم وفق المستوى المناسب والتعليم الفعال الذي يعتمد التعليم الصريح، بعد أن أبانت هذه المقاربات عن فعاليتها الكبيرة استناداً إلى نتائج عدة من الأبحاث والدراسات العلمية في مجال التعليم، حسب الكتابات والمراجع، وإن كانت قليلة أو نادرة.

هذا الجانب، الذي يرتبط بملمح المدرسة الرائدة وما يلازمها بها من تمثلات مجتمعية عامة، يقودنا لسبر الجوانب النظرية والإجرائية ذات الصلة بالمقاربات البيداغوجية المعمول بها بالمؤسسات التعليمية الرائدة.

من حيث الجوانب النظرية، بالنسبة لمقاربة التدريس وفق المستوى المناسب أو ما يعرف بـ TARL، باستثناء بعض العروض المتوفرة وبعض الأوراق البحثية القليلة، يلاحظ أن الإطار النظري للمقاربة غير متين بالشكل الكافي، لانطلاقه فقط من تجربة ميدانية لمنظمة غير حكومية هندية تسمى PRATHAM، والتي ترتبط بالباحثة الهندية SAMYUKTA LAKHSMAN "ساميوكتا لاكسمان"، المسؤولة عن التعاون الدولي بهذه المنظمة.

وبالنسبة للإطار المفاهيمي، الملاحظ كذلك اختلاف في تحديد مفهوم "التدريس وفق المستوى المناسب"، وإن كان الأكثر قبولاً في رأينا المتواضع هو تحديدها كمقاربة تستهدف تجاوز صعوبات التعلم، تهتم بالأساس بتجاوز صعوبات القراءة والحساب لدى تلاميذ المرحلة الابتدائية، ومن مرتكزاتها:

           تجميع المتعلمين في مجموعات متجانسة بناءً على مستوى تحكمهم في التعلمات الأساس؛

           التركيز على المستلزمات الأساسية من مهارات القراءة والحساب اللازمة لمواصلة تعلمهم؛

           التقويم المنتظم لدى المتعلمين بهدف تحقيق مستوى التحكم المناسب لمستواهم.

وحسب وثيقة بحثية مترجمة تعود لـ SAMYUKTA LAKHSMAN، مقاربة "التدريس وفق المستوى المناسب" تمت في منشئها الأصلي، الذي هو الهند، على شكل نشاط تعليمي مكثف يسمى "معسكرات التعلم"، وإن تنوعت نماذج تنزيل هذه المقاربة، الأهم أن التنزيل في الأصل يتم على شكل عمل موازي لعمل المؤسسات التعليمية، قصد الحد من الفروقات الفردية بين المتعلمين، وتقديم الدعم التربوي الكافي للمتعلمين المتعثرين، الذين ينحدرون غالباً من أسر فقيرة غير متعلمة، بعبارة أخرى ينحدرون من المناطق التي تعاني من الهشاشة.

حسب نفس المرجع، نجحت منظمة PRATHAM في عقد شراكات مع العديد من الدول الإفريقية، حيث يتم تأسيس تنزيل النموذج الثالث لهذه المقاربة على إقامة شراكات مع الأنظمة التعليمية العمومية، بإدراج العناصر الأساسية من منهجية TARL في البرامج المدرسية.

عموماً، يمكن اعتبار أن مقاربة التدريس وفق المستوى المناسب أو ما يعرف بـ TARL، كدعم مكثف محدد المدة وفق احتياجات الفئة المستهدفة أو مستواها المناسب، يرتبط هذا الإجراء بعدة أسس نظرية، خاصة منها: بيداغوجيا الدعم، والبيداغوجيا الفارقية، والبيداغوجيا التصحيحية، إضافة إلى التعليم الصريح.

إجرائياً، مع انطلاق السنة الدراسية، يتم إخضاع المتعلمين بالمؤسسة التعليمية الرائدة لرائز موضعة، يمكن من الوقوف على الفروقات المعرفية والمهارية الأساسية، ومنه تحديد المستوى المناسب للمتعلمين من حيث التحكم في التعلمات الأساس. على إثره، يتم تفييؤهم إلى مجموعتين: الأولى متحكمة، والثانية غير متحكمة، ومن ثم تقديم تعلمات داعمة للمجموعتين وفق المستوى المناسب بشكل مكثف في المواد الأساسية: اللغة العربية، واللغة الفرنسية، والرياضيات، وتنضاف إليها مادة الفيزياء والكيمياء، ومادة علوم الحياة والأرض بالسلك الثانوي.

في نهاية هذه الفترة، التي تستمر مدة 24 يوماً المعمول بها في المغرب، يقوم المدرس بإجراء الرائز البعدي ليقف على أثر تدخله، ومدى تحقق أهداف التدريس وفق المستوى المناسب.

بعد هذه المرحلة العلاجية، أو ما يعرف بمرحلة التدريس وفق المستوى المناسب TARL، يُلغى تفييء المتعلمين، ويعتمد النموذج البيداغوجي المعروف بالتعليم الفعال، الذي يعتمد كما قلنا سابقاً التعليم الصريح، ويعتبر مقاربة وقائية تستبق تراكم التعثرات، عبر اعتماد التدريس الفعال، مع تحقق دائم ومنتظم لبلوغ درجة التمكن من طرف جميع المتعلمين، وبالتالي ضمان تعلم جيد لأكبر عدد من المتعلمين.

في هذه المرحلة، تطرح إشكالية الإطار النظري أو المرجعيات النظرية لما بات يعرف بالتدريس الفعال أو التعليم الفعال، بحيث توجد فقط بعض العروض والدلائل العملية وبعض المقالات على مستوى المغرب، مع وجود العديد من الكفاءات التي أغنت الخزانة البيداغوجية المغربية سابقاً. فالتركيز على الجانب العملي وإغفال التأطير النظري يخلق ممارسة صفية تقنية غير واعية.

من حيث الإطار المفاهيمي للتعليم أو التدريس الفعال، ورد في كتاب "مهارات التدريس الفعال والتربية العملية" لمجموعة من المؤلفين العراقيين سنة 2024: "التدريس الفعال هو نشاط تعليمي مخطط ذو أهداف محددة مسبقاً، قادر على إحداث التعلم، وتحقيق أهداف التدريس بسهولة، ويسر، وفعالية، وتفاعل إيجابي بين أطراف العملية التدريسية. فهو يزيد من فاعلية التعليم في التعامل مع المواقف التدريسية المختلفة، ويزيد قدرة المتعلم على إدارة معرفته وتوظيفها بطريقة فعالة في مواجهة الواقع."

وجاء في مجلة علوم التربية، العدد 62: "فالتعليم الفعال تنخرط فيه عناصر متكاملة ومنظومية من المدرس (المتحكم في الاستراتيجيات الفعالة في التعليم)، والمادة المعرفية (التي تركز على إعطاء معنى وظيفياً للتعلمات)، والمتعلم الذي يعد قطب الرحى في العملية التعليمية - التعلمية (الذي نرسخ فيه قيم الإبداع، والتفاعل، والإيجابية، والتفكير الناقد، والتقويم)، والمؤثرات الخارجية (البيئة المحلية - المجتمع المدني - الإعلام...)".

وحسب إحدى الورشات التكوينية المتداولة، المعنونة بـ "عرض ورشة التقاسم الجهوي"، تم تعريف التدريس الفعال على شكل معادلة رياضية كما يلي: "التدريس الفعال = هيكلة محكمة لمقاطع التعلم + تعليم صريح + تحقق ومراجعة دائمة".

فالتدريس أو التعليم الفعال يتحقق عن طريق هيكلة محكمة لمقاطع التعلم (هيكلة الدرس لخمسة مكونات)، ويعتمد على التعليم الصريح، والتحقق والمراجعة الدائمة. ومن خلال التحقق الدائم والمنتظم، يبلغ جميع المتعلمين درجة التمكن. وحسب ذات الورشة، يرتبط التعليم الفعال بمفاهيم أساسية ذات أهمية خاصة، منها:

-الأفكار الرئيسية: أي المعارف والمهارات والمفاهيم والاستراتيجيات الأساسية المبرمجة في مستوى دراسي معين، والتي تتميز بالجدة والمحورية والوظيفية.

-الحمولة المعرفية: ويقصد بها سعة حمولة الذاكرة العاملة، فاحترام الحمولة المعرفية للمتعلم شرط أساسي لحدوث التعلم.

ولأهمية إدراك الإطار المفاهيمي من طرف الفاعل الرسمي بالفصل الدراسي، وأهمية إدراك المرجعيات النظرية قصد تحقيق الممارسة الصفية الواعية، والحرص على التنزيل السليم للبرنامج الدراسي، وبالتالي تحقيق أهداف نموذج مؤسسة الريادة، ولبروز مفهوم "التعليم الصريح" داخل الإطار المفاهيمي لهذه المقاربة البيداغوجية المستجدة بالمنظومة التربوية المغربية، لابد من الإشارة كذلك لهذا المفهوم، ومما ورد في تحديده:

-"نوع من التعليم يركز على تقديم المفاهيم والمعرفة بشكل مباشر وواضح للطلاب، مع توجيه وإرشادات محددة تساعدهم على استيعاب المادة بسهولة".

-"أسلوب للتدريس يتميز بإعطاء المعلم توجيهات مباشرة للتلاميذ، وتوضيح المفاهيم والإجراءات التي يحتاجون لفهمها. يتضمن هذا التعليم توجيهًا منهجيًا وتدريبًا مستمرًا على المهارات المراد اكتسابها، حيث يتم الانتقال من الشرح النظري إلى التطبيق العملي".

-"أسلوب تعليمي يتميز بتقديم التعليمات والتوجيهات بشكل واضح ومباشر للطلاب، بهدف تعزيز الفهم وتحقيق الأهداف التعليمية بشكل أكثر فعالية. في هذا النهج، يقوم المعلم بشرح الأفكار والمفاهيم بطريقة منظمة ومبنية على خطوات محددة، مع التأكد من أن الطلاب يفهمون كل جزء قبل الانتقال إلى الجزء التالي".

وحسب ورشة اللقاء الوطني لتقاسم المستجدات التربوية الخاصة بمؤسسات الريادة، بالنسبة لـ HUGUES Charles A، الباحث بجامعة ولاية بنسلفانيا، فالتعليم الصريح: "مجموعة من الاستراتيجيات البيداغوجية التي يعززها البحث العلمي، والمستعملة لتخطيط وتقديم درس يمنح الدعم الضروري لتعلم ناجح بفضل وضوح اللغة المستعملة والهدف المنشود، وتخفيف الحمولة المعرفية. هذا التدريس يعزز الانخراط النشط للتلميذ بفرضه إجابات مترددة ومتنوعة، متبوعة بتغذية راجعة إيجابية وتصحيحية مناسبة، ويساعد على الاحتفاظ بالمعلومات على المدى البعيد باستعمال استراتيجيات عملية محددة".

ومما ورد بذات العرض المتاح على شبكة الإنترنت: "التدريس الفعال هو تعليم صريح". إجرائياً، مباشرة بعد مرحلة "التدريس وفق المستوى المناسب"، يعمل بمقاربة "التدريس الفعال" إلى نهاية السنة الدراسية، عبر خمس مراحل، ويعتمد إضافة إلى المقررات والكراسات على العدة الإلكترونية، حيث أطقلت وزارة التربية الوطنية نهاية شهر غشت 2025 منصة إلكترونية لفائدة الأطر الإدارية والتربوية الفاعلة بمؤسسات الريادة، لتمكينهم من تتبع كل المستجدات والإعلانات والبرمجة، ومختلف التكوينات والتغذية الراجعة الخاصة بها، مع كبسولات لمحاكاة جميع الأنشطة والاطلاع على جميع الوثائق والكراسات الخاصة بالمتعلمين.

ومن باب الإنصاف، من خلال هذا النموذج البيداغوجي استطاعت المدرسة المغربية مواكبة التطورات ومستجدات البيداغوجيا الحديثة، لا سيما إدماج وسائل الإعلام والاتصال في التعلم، وتحديث الوسائل التعليمية التعلمية وتنويعها.

وخلافاً للمؤسسات التعليمية غير المنخرطة في هذا المشروع الجديد، تعتمد المؤسسات التعليمية المنخرطة في مشروع مؤسسات الريادة كتاباً مرجعياً وطنياً موحداً كأداة لتوفير محتوى بيداغوجي متدرج ومنظم، يستهدف تحسين التعلمات الأساس باعتماد مبادئ التدريس الفعال، أبرزها: التدرج من البسيط إلى المركب، البساطة والوضوح، تخفيف الحمولة المعرفية، اعتماد مبدأ التحكم في التعلمات بدل تغطية البرامج الدراسية، مراقبة مستمرة وتتبع فردي....

جدير بالذكر أن هذا الجانب من مشروع مؤسسات الريادة واكبه تكوين للموارد البشرية المتدخلة في العملية التعليمية التعلمية، استهدف تمكين الأطر التربوية من الآليات البيداغوجية الكفيلة بتحقيق أهداف خارطة الطريق.

إلا أن تنزيل هذا المجال يصطدم ببعض الإكراهات التي قد تحول دون تحقيق أهداف المدرسة الرائدة، خاصة بالمجال القروي أو حتى المجال الشبه حضري، لأسباب غير متحكم فيها أو قد تخرج عن اختصاص قطاع التربية الوطنية، ومن أبرز هذه الإكراهات والصعوبات:

           إكراهات ذات الصلة بشبكة الكهرباء؛

           غياب أو ضعف صبيب الإنترنت؛

           صعوبات ترتبط بخصوصيات الأسلاك التعليمية ومعدل الاكتظاظ بالمؤسسات المستهدفة؛

           صعوبة استفادة المتعلمين بشكل متكافئ من أنشطة الحياة المدرسية؛

           منطق التقييم الكمي، خاصة بالمواد غير الأساسية، وخصوصاً مواد التفتح؛

           صعوبات تخص تزويد المؤسسات الرائدة بالكراسات والروائز أو طبعها؛

           صعوبات ترتبط بقلة الموارد البشرية ذات الصلة بالتدبير والدعم الإداري؛

           صعوبات تهم تأمين وحراسة المؤسسات التعليمية، خاصة بالوسط القروي.

دون إغفال أبرز إكراه ظهر مؤخراً، تمثل في مدى تقبل أولياء الأمور لمستوى التعلمات المبرمجة، خاصة خلال مرحلة التعليم وفق المستوى المناسب، إذ أن النقطة التي تثير القيل والقال وتحتاج لتوضيح رسمي من الجهات المسؤولة، تهم ما يتعلق بمستوى التعلمات وجودتها، خاصة إذا قارنا بين الكتب المدرسية الموجهة للمدرسة العمومية العادية وتلك المتعلقة بالمدرسة العمومية الرائدة، حيث أن الآباء والأمهات وجدوا أنفسهم أمام واقع جديد لا علاقة له بالمدرسة ما قبل الرائدة، حيث متعلم المستوى السادس ابتدائي لا فرق بينه وبين التلميذ مستوى الرابع ابتدائي. وبتصفح سريع للكتاب المدرسي لمادة لغوية مثلاً، قد نقف على شبه تغييب للنصوص القرائية والوظيفية المعهودة بالكتب المدرسية المعروفة. نفس الملاحظة تسجل على الأقل ببعض الكتب المدرسية بالسلك الإعدادي.

رغم أن تفسير هذا الاختلاف يعود لأهداف خارطة الطريق، خاصة ما يتعلق بالتحكم في التعلمات الأساس والحد من الهدر المدرسي، إلا أن التواصل الرسمي بشأن هذه النقطة يحتاج لمزيد من المجهودات عبر مختلف وسائل الإعلام، خاصة أن فرض مستوى تعلم متدني على المتعلمين المتفوقين لا يتوافق مع نموهم المعرفي، وهو أمر لا يخدم المدرسة العمومية وأهدافها وغاياتها.

وهو ما يتعارض بشكل واضح مع مقتضيات المادة 28 من القانون الإطار، التي تحث على وجوب "اعتماد برامج للاستكشاف المبكر للنبوغ والتفوق لدى المتعلمين من أجل دعم المتميزين منهم، ومساعدتهم على إبراز مواهبهم وقدراتهم وتفوقهم".

في الختام، ما ينبغي التأكيد عليه أن مشروع المدرسة الرائدة، رغم التقييمات التي ثمنت التجربة، كغيره من المشاريع يحتاج للنقد البناء، بما يضمن نجاح التجربة ويجنبها مصير البرنامج الاستعجالي، أو يحافظ على الأقل على ما يمكن اعتباره مكتسبات. ومن أهم المقترحات التي من شأنها إنجاح المشروع:

           مراعاة واقع المدرسة العمومية المغربية وتجاوز التصور المثالي؛

           استحضار الخصوصيات المجالية والثقافية؛

           تقوية الإطار النظري للمقاربات البيداغوجية المعتمدة بمؤسسات الريادة؛

           التركيز على السلك الابتدائي باعتباره أساس نجاح المسار الدراسي؛

           نجاح المشروع لا يعني بالضرورة التعميم على كافة الأسلاك التعليمية؛

           إعادة النظر في نموذج القياس والتقييم المعمول به، بتجاوز القياس الكمي بالمواد غير الأساسية، خاصة بالسلكين الإعدادي والتأهيلي؛

           الحرص على التوجيه الأمثل للمتعلمين وفق قدراتهم، وليس فقط حسب رغبة المتعلم؛

           تثمين التكوين المهني والرفع من مؤسساته بشكل يغطي على الأقل كافة المناطق الحضرية والشبه حضرية.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

أهم المراجع المعتمدة:

           دستور المملكة المغربية 2011؛

           الميثاق الوطني للتربية والتكوين؛

           الرؤية الاستراتيجية 2015-2030؛

           القانون الاطار17-51؛

           خارطة طريق 2022-2026؛

           النموذج التنموي الجديد للمغرب 2019؛

           "تحسين نتائج القراءة والحساب على نطاق واسع أو التدريس وفق المستوى المناسب حسب مقاربة براثام ساميوكتا لاكسمان (Samyukta Lakhsman) " ورقة بحثية، الترجمة عن الفرنسية: عبد السلام اليوسفي؛

           التعلم الفعال والمسدام في ضوء حاجيات مدرسة المستقبل دليل المهارات الحياتية نموذجا، المجلة الأمريكية الدولية للعلوم الإنسانية والاجتماعية، الدكتورة نورة مستغفر؛

           التعليم الفعال : الماهية والمؤشرات الدالة والاستراتيجيات البيداغوجية، مولاي المصطفى البرجاوي، مجلة علوم التربية العدد 62؛

           مهارات التعليم الفعال والتربية العملية، أ.د. سعد علي زاير وآخرون، مؤسسة دار الصادق الثقافية، ط 2024؛

           دليل أساتذة مؤسسات الريادة

           دليل المدير بمؤسسات الريادة

           ورشة التقاسم الجهوي لفائدة المفتشین المواكبین لمشروع مدارس الریادة يومي 27 و 28 أكتوبر 2025

           ورشة اللقاء الوطني لتقاسم المستجدات التربوية الخاصة بمؤسسات الريادة أيام 2 و 3 و4 ماي 2024؛

           شهادات حية لمجموعة من الأطر الممارسة بمدرسة الريادة؛

           https://www.tabchourati.com/2024/10/blog-post_23.html

           https://www.mojmos-taalim.com/2024/11/Education-explicite.html

           https://iajphss.us/%D8%A7%D9%%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%8

Post a Comment

إضافة تعليق على الموضوع مع عدم تضمنه لعبارات مسيئة
شكرا على مشاركتكم

أحدث أقدم