الخطاب التربوي بين الواقع المفقود و الأمل المنشود



حميد الهويتي- الخطاب التربوي السائد في الساحة التعليمية المغربية ليس سوى مرآة و صورة مختصرة لما يدور في المؤسسات التعليمية وخارجها،ويعبر عن مستوى شريحة مهمة من الفاعلين التربويين.فهذا القاموس التيئيسي الذي يروج به الخطاب التربوي مستمد من الإخفاقات التي عرفتها مختلف مشاريع الإصلاح منذ الاستقلال ،فبالرغم من وجود ذوي النيات الحسنة للرقي بالمنظومة التربوية إلى ما يصبوا إليه المجتع المغربي ،فإنه بالمقابل نجد خطابات مغرقة في الشعبوية بمفهومها السلبي منذ القرارات التربوية و الإدارية الجائرة في حق فئات عريضة من الشغيلة التعليمية  لنظاميي1985و2003 والسياسات التربوي غير المدروسة النتائج ،التي كرست بطبيعة الحال تبعية  النظام التربوي للسياسة السائدة في البلد.
     من هنا يمكن تسجيل ملاحظة مهمة حيال الخطابات التربوية المتداولة في الوقت الراهن مفادها أن المصطلحات والمفاهيم الرائجة طالها التمييع وذلك راجع إلى غياب ضبط وتأمين المفاهيم ،على اعتبار أن المجال التربوي هو تخصص وعلم قائم بذاته، لكن المفردات التربوية أضحت من وسائل المراوغة والتظليل خصوصا في الندوات والمحاضرات بحيث إذا استحضرنا التشخيصات و الاستشرافات التي أنجزت حول نوعية الخطاب التربوي الذي كان سائدا في الماضي و قارناه بنظيره في الوقت الراهن، يمكن أن نبدي ملاحظتين:
أولهما : أن تعدد النظريات و المقاربات البيداغوجية أدت إلى اختلاف  السبل بين مختلف الفاعلين التربويين في ظل واقع مغربي ذو خصوصيات مختلفة.
ثانيهما : وجود مفارقات عجيبة بين الخطابات النظرية وبين ما يطبق فعليا على أرض الواقع بسبب فقدان السلطات التربوية للجرأة الحقيقية و الإرادة الحرة بدل السعي إلى الإختباء وراء المجهول.
كل ما سبق يفسر فشل جميع مشاريع الإصلاح السابقة ،أضف إلى ذلك سعي الفاعلين السياسيين و التربويين إلى التماهي في خطاباتهم مع الخطاب الرسمي للدولة عوض أن يكون لهم خطاب مستقل و غير تابع لأية جهة معينة.
ما نراه اليوم هو خطاب تربوي شعبوي فقد معناه، ويبقى المعنى الحقيقي هو تقريب الخطاب التربوي إلى جميع شرائح  المجتمع بلغة بسيطة لكنها راقية ،بينما الخطاب التربوي السائد حاليا لا يقوم بهذه المهمة ،بل هو نوع من المزايدات يكتنفه تهريج لغوي و خطاب مريض يكشف واقع مرير وحقيقة الفعل التربوي بالمؤسسات المغربية.
إن وجود هذه المؤشرات السلبية التي تطبع الخطاب التربوي الذي يتسم بالشعبوية،منها تغليط الرأي العام من قبل الفرقاء التربويين(السياسيين) وذلك بتقديم معطيات غير دقيقة و غير صحيحة. والحال أن الفاعل التربوي يسعى إلى كسب تعاطف الرأي العام دون أن يكلف نفسه عناء إقناع الناس علميا،مما يجعله يقع في خطأ عندما يعتبر خطابه غير ملزم حينما يتحدث عن أزمة المنظومة التربوية في ظل تآكل مصداقية العمل التربوي ،الذي يحمل ملامح الإيحاء دون التعميم ويتميز بخصائص تعتمد الرمزية والاكتفاء بقول نصف الحقيقة،كما أنه خطاب مهادنة يحمل في طياته تناقضا يتجلى في عدم تكامل الخطاب و الفعل.
لكن بالمقابل هناك من يقول أن الخطاب التربوي مميع ،فيه نوع من المبالغة بسبب وجود مؤشرات تدل على التغيير الإيجابي الذي طرأ على الخطاب التربوي ،مرده نقص المفردات الإيديولوجية ليحل محلها خطاب براغماتي واقعي مستند إلى أرقام ومعطيات مستمدة من دراسات علمية و تقنية تحتكم إلى القواعد الدستورية و القانونية بعيدة عن القناعات العقائدية والإيديولوجية ،وهذا جزء من التحول الديمقراطي الذي عرفة المغرب بعد الربيع العربي-التربوي خصوصا بعد الخطب الملكية و دستور2011 .
إن تشخيص واقع الخطاب التربوي يتطلب تقديم مقترحات للارتقاء به،على اعتبار أن الأساليب التربوية تحتاج إلى تخليق لكونه جزء من تخليق الحياة العامة و ذلك ب:
·         تقليص منسوب الخطابات الإيديولوجية التي تزج بالعملية التربوية نحو مزايدات  شكلية تجعل نساء ورجال التعليم في مفترق الطرقات.
·        اعتماد خطاب تربوي مبني على الفعل والعمل على تقديم حلول للمشاكل والقضايا الراهنة حتى يحس المواطن أن هناك التزام من الفاعل التربوي بقضاياه.
·        تحميل جزء من المسؤولية في تخليق الأساليب التربوية إلى وسائل الإعلام ،بحيث أن السلطة الرابعة يجب أن تكون قوة مراقبة و مؤطرة لكل عمل تربوي.

·        تفادي الخطابات التي تركزعلى العناوين المثيرة و الفارغة المضمون.
حميد الهويتي- بوعرفة
تجمع الأساتذة بالمغرب - تربية ماروك

Post a Comment

إضافة تعليق على الموضوع مع عدم تضمنه لعبارات مسيئة
شكرا على مشاركتكم

أحدث أقدم