ارتبطت الإدارة الجديدة بمفهومي التدبير والتسيير،
من خلال الحرص على تنزيل المساطر تنزيلا سلسا، بعيدا عن الاجتهادات التي قد تفسد
الأمور، وهنا وجب الوقوف مطولا عند حدود المفهوم، خاصة إذا قصدنا الحديث عن الشأن
التعليمي، الذي يختلف تماما عن مجالات أخرى، حيث أنه مجال مرتبط بتأهيل المادة
البشرية، مما يجعل هامش الخطأ مكلفا، ويصعب معه تدارك الأمر إلا بعد فترات، وربما
قد لا يتم تداركه مطلقا، حين يتم إلصاق الخطأ المزاجي، أو الشخصي، بالإدارة، في
إشارة واضحة إلى تسمية الأشياء بغير مسمياتها، كمحاولة للهروب إلى الأمام، فالخطأ
المسطري في مجال التربية قد يمس بجميع الأطراف وينعكس سلبا على الطفل، باعتباره
المحطة الأخيرة التي يتوقف الفعل التربوي عند حدودها.
إن إدارة المؤسسات التربوية عموما، والمقصود هنا
المغزى الأشمل لمسمى المؤسسة التربوية، تحتاج إلى تبني مقاربات كفيلة بمزج التربوي
والإداري، لالتقائهما في نفس الأهداف، مع تغليب التربوي في الكثير من المحطات،
وفصلهما في مواقف أخرى، وهو الأمر الذي قد يحيلنا إلى تبني الطرح القائل: لا نجاح
للمؤسسة التربوية إلا بالقدرة على تفادي الخلط بين الشقين الإداري والتربوي، حسب
المواقف التي تعد بمثابة موجه كفيل باعتماد إحداهما، وتجنب أخرى، إنها معادلة
ديالكتيكية قادرة على إنتاج طاقة بشرية اقتراحية مساهمة.
أما القيادة التربوية، فهي آلية لتوجيه السلوك،
تعديل وبناء شخصية الكائن البشري في اتجاه الأقوم، لأجل صنع النموذج الذي ينسجم
ومقاربة المجتمع من خلال صنع تنمية حقيقية، فالتربية تستمد قيمة وجودها من جملة
أبعاد يلخصها الإطار المرجعي العام الذي نشأت فيه، هذا الإطار الذي يجعل منها قضية
إنسانية، قبل كونها قضية مجتمعات، إنها، بحق، معيار نجاح الخطة التربوية أو فشلها،
فإن كانت العملية التربوية تلك الدينامية، دائمة الحركة والنمو، يستمد من طبيعة
موضوع الدراسة وخصوصياتها، فإنها تستلزم تجديد النخب وضخ دماء جديدة مشبعة برصيد
متجدد معرفيا ومنهجيا..
فرغم الارتباط والتماسك البنيوي الوظيفي بين
الجانبين: الإداري والتربوي، إلا أن الاختلاف ثابت ظاهرا وعمقا، فمن شروط نجاح
ونجاعة التسيير البيداغوجي، نجد القدرة على بلورة رؤيا تنسجم مع الأهداف
والكفايات، واعتماد أرقى السبل لتنزيل فلسفة التربية التي ترتكز على العامل البيئي
وتدعمها الأخلاق، فمن الشروط الأساسية، وجب تبني سيرورة عملية، قادرة على رسم
معالم الجودة في النهج و الأسلوب.
لعل أبرز ما يفسد نجاح مهمة القيادة التربوية
الإدارية، على السواء، تلك المتعلقة بجوانب شخصية القائد، وبتكوينه المعرفي
والمنهجي، غير المتجددة، إلى جانب التركيز على العمل وفق نهج عمودي، يقتصر على
اتجاه فريد، وتبني مقاربة تفتقر إلى خطة قابلة لتشخيص المواقف وترجمتها إلى
ممارسات، إلى جانب تهميش متطلبات الميدان، التي تقتضي الظرفية تحيينها باستمرار،
إلى جانب عدم القدرة على بناء علاقات متينة، مبنية على أساسيات من قبيل:
الدينامية، الجاذبية، وقوة التأثير في الآخرين، وتناسي أهمية ترجمة الأهداف إلى
ممارسات فعلية، بإمكان ما سلف الحيلولة دون الارتقاء بالفعل البيداغوجي نحو
الأفضل، فكلما كان الفعل الإداري التربوي عاجزا على حسن ترتيب الاحتياجات، انطلاقا
من الوعي التام بمستلزمات المرحلة وضرورياتها الأساس، كلما كانت النتائج هزيلة
ودون جدوى، بل مكلفة في كثير من الأحيان.. فالإيمان بأهمية العمل في دينامية، وحسن
استثمار وتوظيف كل الطاقات البشرية المتوفرة، يظل أهم ميزة وأفضل خاصية لنجاح
الأدوار القيادية.
عبد الحفيظ زياني
إرسال تعليق
إضافة تعليق على الموضوع مع عدم تضمنه لعبارات مسيئة
شكرا على مشاركتكم