الاتحاد الأوروبي معتزا بشراكته مع المغرب في مجال التعليم : "التعليم في المغرب قطع أشواطا بعيدة"

 


تعد تربية الأجيال الصاعدة محوراً أساسياً في مجتمعات الغد. والاستفادة من منظومة تربوية شاملة وعادلة وجيدة حق يخوله الدستور المغربي. ومن ثم يقوم المغرب والاتحاد الأوروبي بتعزيز تعاونهما القائم منذ عدة سنوات على الثقة والهادف إلى تحسين أداء المنظومة التعليمية المغربية على مر السنين. تعاوننا ينطوي على مجموعة من الأبعاد:

  • التربية الأساسية التي تغطي المستويات الابتدائية والإعدادية والثانوية؛
  • التعليم العالي خاصة من خلال برنامج ‘’إيراسموس +’’  والشراكة في مجال البحث؛
  • التكوين المهني؛
  • محو الأمية.

 

لماذا يستثمر الاتحاد الأوروبي في هذا القطاع؟

من المعلوم أن تربية اليوم تهيئ مجتمعات الغد وفي هذا الصدد، فإن "قرار البرلمان الأوروبي بشأن المساعدة الأوروبية على التنمية في مجال التربية"  يعتبر المساعدة في قطاع التربية بمثابة أولوية إذ ينص على أن:

" التربية حق من حقوق الإنسان الأساسية، فهي تؤدي دورا مركزيا في تحقيق كل أهداف التنمية المستدامة وتحول دون انتشار الفقر وتناقله بين الأجيال كما تؤدي دوراً أساسيا في تحقيق المساواة بين النساء والرجال."

وفي هذا السياق، يقوم الاتحاد الأوروبي بتمويل ثلاثة برامج في مجال التعليم بالمغرب وهي البرنامج المندمج لدعم التكوين والتربية المُوقَّع في أبريل 2020 بقيمة 1،5 مليار درهم وبرنامج "فوركاب" لدعم قطاع التكوين المهني والمرحلة الثالثة لدعم محاربة الأمية. كل هذه المبادرات ترافق تفعيل القانون الإطار 17-51 المتعلق بالتعليم من خلال وضع الإنسان وحقه في تعليم جيد طيلة حياته في قلب هذه المنظومة.

"تندرج التربية وتعزيز الكفاءات والتطور الشخصي في صميم عملنا باعتبارها جزء لا يتجزأ من تنمية مجتمعات القرن 21. وفي هذه الظرفية الخاصة التي يعاني فيها العالم برمته من هذه الجائحة، يتعين علينا أن نستثمر أكثر في الكفاءات والتنمية البشرية. علينا أن نواكب الشباب على وجه الخصوص وأن نمنحه ما يحتاجه لاندماجه الاجتماعي والمهني والاقتصادي. عدم القيام بذلك قد يكون له أثر سلبي على نمو المجتمع حاضرا ومستقبلا وقد يكلفنا الكثير." السيدة كلاوديا فيداي، سفيرة الاتحاد الأوروبي في المغرب

"التعليم في المغرب قطع أشواطا بعيدة...لكن لاتزال عدة تحديات لتحقيق تعليم جيد للجميع"

نجح المغرب في الجهود التي بذلها من أجل تعميم التعليم الابتدائي وتعزيز التمدرس على المستوى الإعدادي. وهذا ما تطلب مجهودا كبيراً في مجال البنيات التحتية خاصة في العالم القروي الذي كان يفتقد إلى المؤسسات التعليمية. وكان لزاما في الوقت نفسه توظيف آلاف الأساتذة الجدد من المواطنين المغاربة المبتدئين في المهنة. كما كان من المستعجل استقبال الملايين من التلاميذ الجدد في وقت وجيز عبر ربوع المملكة في إطار الولوج الديمقراطي للتعليم المدرسي.

إن تعميم الولوج إلى التربية كان هو المنطلق نحو بناء منظومة مدرسية تأخذ بعين الاعتبار خصوصية البلد. فعلى المستوى الوطني، ارتفع متوسط مدة التمدرس بشكل ملحوظ حيث بلغ هذا المعدل سنة 1982 0،8 سنة قبل أن ينتقل إلى 3،13 سنة عام 1994 وإلى 4،04 سنة في 2004. وبفضل تقوية المنظومة الإعدادية، بلغ هذا المعدل 5،64 سنة كمعدل علماً أن التفاوتات بين الأقاليم الأقل حظوة من الناحية المدرسية والأقاليم الأكثر حظوة قد تصل إلى أكثر من 11 سنة من التمدرس.

وبفضل تعميم الولوج إلى المدرسة، فإن الدعامة الأخرى للتربية هي جودة التعلم. النجاح فيهما معا رهان صعب للغاية يسخر له المغرب إمكانيات بشرية ومالية كبيرة وتدعمه فيه شراكتنا.

فبعد المخطط الاستعجالي، ركزت الرؤية الاستراتيجية 2030 والقانون-الإطار 51.17 على الجودة والإنصاف والتعلم مدى الحياة من خلال إدماج المواطنين الذين لم يذهبوا إلى المدرسة وظلوا أميين أو الذين كان لهم مسار صعب ويعيشون الآن في وضعية هشة.

ورش الجودة والإنصاف من خلال دعم البنيات التحتية يعيد للعنصر البشري مكانته المركزية بحيث يقاس تأثير هذه المبادرات على المديين المتوسط والبعيد.

منذ عدة سنوات، ترتكز الشراكة بين المغرب والاتحاد الأوروبي على كل هذه الأبعاد لدعم قطاع التربية في المملكة ويتم إشراك كل الفاعلين لرفع هذه التحديات. فلكل فاعل دوره لإنجاح هذا الورش الذي يحظى بأولوية وطنية سواء تعلق الأمر بالأسر أو القطاع الخاص أو المجتمع المدني أو الشركاء الدولي.  

البرنامج المندمج لدعم التكوين والتربية: شراكة جديدة بين الاتحاد الأوروبي والمغرب لجعل المتعلم ومشروعه الشخصي في قلب المنظومة التربوية

إن البرنامج المندمج لدعم التكوين والتربية سيعطى نفسا جديدا للتعاون بين المملكة المغربية والاتحاد الأوروبي، إذ يهدف إلى تركيز كل الفاعلين في المنظومة التربوية على مشروع التلميذ ومن ثم تحسين التنسيق بين المؤسسات والأشخاص المسؤولين عن الخدمات التعليمية قصد توحيد الجهود والاستجابة إلى انتظارات المتعلمين سواء كانوا تلاميذ منظومة التربية الوطنية أو متدربين في إطار التكوين المهني أو مستفيدين من دروس محو الأمية...

  • المتعلم ومشاريعه في قلب المنظومة التعليمية...

إن مواكبة مسار كل متعلم لمنحه أحسن فرص التعليم الممكنة يجسد طموح المغرب في إطار الرؤية الجديدة التي يدعمها الاتحاد الأوروبي، إذ ليس من السهل على شاب أن يجد ضالته ويرسم طريقه بمفرده لتحقيق أحلامه. أن يكون للشاب حلم وأن يتصور حياته في المستقبل هي الوصفة التي تمكن من تجاوز العقبات وتمكن من العودة مرة أخرى إلى المؤسسة التعليمية من بابها الواسع.

إن توضيح معالم المشروع الشخصي غالبا ما يتطلب آلية فعالة للتوجيه المدرسي والمهني وإلى دعم من قبل الأسرة والأقارب كما يستلزم إتاحة "فرصة ثانية" لتفادي الشعور بالتخلي أو الإقصاء.

وفي هذا السياق، استغل المغرب هذا الرهان وقرر تفعيل آلية للتوجيه أكثر قربا من الشباب من خلال إسناد دور جديد للأستاذ الرئيسي يتكامل مع الموجهين، ما سيمكن من تتبع دقيق لمشاريع تلاميذ الطور الإعدادي (كل أستاذ رئيسي يتكلف بتتبع 4 أقسام في نفس الوقت).

وإلى ذلك، سيتم اعتماد أساليب تدبير جديدة ستتمحور حول المشاريع الشخصية للمتعلمين من خلال إدماج هذا الشق في مشاريع المؤسسة.

إلا أن مشاركة الأسر ومحيط المؤسسة التعليمية تكتسي أهمية بالغة من أجل رفع التحديات المرتبطة بجودة التعليم. ومن ثم، فإن الشراكة بين المغرب والاتحاد الأوروبي يبوئ مكانة هامة للآباء والأولياء كفاعلين في الميدان. ولجعلهم ينخرطون بشكل أكبر في تمدرس الأطفال، فإن الخطوة الأولى هو تنظيم تفاعل منتظم بين الآباء والأطر التربوية. الوسائل التكنولوجية موجودة لاسيما من خلال تطبيق "مسار" لكن الحوار حول تعلم التلاميذ بين الأستاذ والأب يعتبر مفتاحا لمساعدة التلميذ على عدم مغادرة التمدرس. ومن المرتقب أن يعتمد قطاع التربية الوطنية نصوصا تنظيمية لتفعيل هذا التبادل في بداية السنة وعند تسليم النتائج نصف السنوية وذلك لخلق بيئة ملائمة لتحسين التعلم واستباق وتدبير الصعوبات التي قد يواجهها التلميذ.

وموازاة لذلك، يتعين تعزيز دور جمعيات آباء وأولياء التلاميذ داخل المؤسسة لحثهم على الانخراط أكثر في التواصل البناء والضروري لنجاح أي مشروع مجتمعي.

  • تقليص التفاوتات في المجال المدرسي!

في سنة 2020، ألقت أزمة كوفيد بظلالها على جميع القطاعات بما فيها قطاع التعليم. والأمر واضح الآن حيث أن الإغلاق المؤقت وغير المتوقع للمؤسسات التعليمية عمَّق التفاوتات الحاصلة في التعليم لدى كل الفئات العمرية.

إن الشراكة بين المغرب والاتحاد الأوروبي سيستخلص العبر من هذه الظرفية الصعبة لتطوير المقاربة القائمة على التمييز الإيجابي المنصوص عليها في القانون-الإطار 51.17 بغية إعطاء المزيد لمن هم في حاجة إلى ذلك.

وعليه فقد حددت الشراكة بين المغرب والاتحاد الأوروبي عدة أهداف مستقبلية، منها على وجه الخصوص:

  • تقليص التباينات في التمدرس على المستوى الإعدادي في العالم القروي بين الفتيات والفتيان؛
  • الرفع من عدد المستفيدين من دروس محو الأمية الوظيفية؛
  • تطوير استراتيجية التمييز الإيجابي التي يلتقي فيها قطاعي التربية والتكوين حتى يتم تخصيص الدعم الاجتماعي للمتعلم حسب الحاجيات وبغض النظر عن مجال تكوينه.
  • أهمية استمرارية التعليم لإنجاح المشروع الشخصي مدى الحياة

عند ولوج أي طفل أو شاب إلى المدرسة لأول مرة، فإنه لازال لا يعرف مدى ثراء وتنوع ما سيتعلمه. من التعليم الأولي إلى التكوين المهني ومن الإعدادي إلى التعليم العالي، تتقاطع العديد من الطرق. حالياً، تعجز المنظومة عن تتبع إنجازات المتعلم خلال مروره من التربية إلى التكوين المهني أو إلى التعليم العالي. في المستقبل، سيحصل كل متعلم على رقم تعريفي وطني فريد سيستعمله طيلة مساره التعليمي. هذا الرقم التعريفي سيسهل الإجراءات الإدارية والانتقال من مؤسسة إلى أخرى كما سيمكن من الاستجابة إلى حاجياته على نحو أفضل. وستكون هذه المنظومة مفيدة للمتعلمين وسيكون لها وقع إيجابي على إدارة المنظومة من خلال رؤية واضحة للهدر المدرسي.

ومن جهة ثانية، فإن الجسور بين التربية والتكوين من شأنها تثمين مسار المتعلمين ومنحهم فرصة أخرى للتقدم في تعلمهم مدى الحياة. في هذا الإطار، يعد تفعيل الإطار الوطني للإشهاد عنصرا أساسيا في تسهيل التعلم.

وتهم منظومة التربية والتكوين في المغرب ما يزيد عن 9 مليون متعلم. ولن يكون تدبير هذا العدد الكبير من المستفيدين إلا من خلال إدماج أنظمة قوية ومناسبة للمعلومات على جميع المستويات. في هذا السياق، سيتم وضع نظام للمعلومات الجغرافية في إطار البرنامج المندمج لدعم التكوين والتربية مما سيساعد على تخطيط العرض التكويني بشكل أكثر تنسيقا خاصة على المستوى المحلي.

  • تعزيز قدرات المنظومة من أجل استعمال فعال وفاعل للموارد

تخصص ميزانية الدولة المغربية أكثر من 20 في المائة من مواردها لقطاع التربية وهذا يمثل استثمارا يستجيب لطموح المغرب إلى إصلاح منظومته. إلا أنه لازال من الضروري استغلال هذه الموارد على نحو أفضل.

يتعين كذلك تظافر المبادرات والجهود بين القطاعات من أجل ترشيد النفقات وخلق الجسور. كما يجب تعزيز قدرات الأشخاص المعنيين بهذه الأوراش على المستويين الإداري والتربوي التي تم إطلاقها في المغرب في مجالات التربية الوطنية والتكوين المهني ومحو الأمية. ويعتبر تحديد الكفاءات الضرورية لكل منصب وخطة التكوين لاكتساب هذه الكفاءات واستعمالها أحد المحاور الأساسية للشراكة الجديدة في إطار البرنامج المندمج لدعم التكوين والتربية.

كيف تتم الشراكة بين المغرب والاتحاد الأوروبي في قطاع التربية؟

تُنظم الشراكة بين المغرب والاتحاد الأوروبي من خلال الدعم الميزانياتي والمواكبة.

يتمثل الدعم الميزانياتي في تحويل الموارد المالية إلى ميزانية المغرب على أساس مؤشرات أداء موضوعة مسبقا. ويعتبر التمويل الميزانياتي مقوما مهما لكونه يتمحور حول الأولويات الوطنية الخاصة بالمغرب ويضمن بذلك الاستمرارية. ويتم تقييم التقدم المحرز والنتائج المحصل عنها ومقارنتها بالأهداف المسطرة. ويُمكِّن هذا التقييم من تحديد نقاط الضعف المحتملة وإيجاد حلول مناسبة لتداركها.

أما المواكبة، فإنها تمكن من تعبئة الخبرات الخاصة والتقنية والاستراتيجية الضرورية للتقدم في أوراش إصلاح التعليم التي تحظى بالأولوية في المغرب. وتتخذ هذه المواكبة عدة أشكال حيث تتم من خلال الخبرة الخاصة والخبرة العمومية التي تأتي مباشرة من إدارات الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي أو من الفاعلين غير الحكوميين العاملين في مجال التعليم. وبفضل ذلك، يمكن للمغرب والاتحاد الأوروبي تجريب وابتكار وتطوير مقاربات جديدة في مسار التعاون القائم بينهما.

المصدر موقع الاتحاد الأوروبي بالمغرب - 24 يناير 2021

Post a Comment

إضافة تعليق على الموضوع مع عدم تضمنه لعبارات مسيئة
شكرا على مشاركتكم

أحدث أقدم