سعيد الشرقاوي
أستاذ مادة الفلسفة بسلك التعليم الثانوي
التـأهيلي
من وحي
تجربتي
الفصلية، ومن خلال الاطلاع على النظريات التربوية الحديثة، تبين لي أن تخصيص لحظات
للتعارف، وإشراك المتعلمين في صياغة قواعد الفصل، ثم طرح أسئلة مفتوحة تستكشف
تمثلاتهم، والعمل على تصحيحها وتوجيهها كمصدر للحافزية والانخراط الإيجابي في
المسار الدراسي، كلها ممارسات تجعل الحصة الأولى ليست مجرد لقاء عابر، بل هي لحظة مفصلية تؤسس لسنة
دراسية مثمرة، كما أنها استثمارًا تربويًا طويل الأمد.
🔑 أهمية الحصة الأولى تتجلى في كونها :
• 🏗 لحظة مفصلية مؤسسة: من خلالها يتم وضع الأسس التي سينبني عليها التعلم
والتفاعل داخل الفصل.
• 🌟 فرصة لبناء انطباع إيجابي: إذ تمكن المتعلمين من تكوين صورة محفزة عن
المعلم والمادة والمدرسة.
• 🔄 تغيير المواقف السلبية: خصوصًا لدى المتعلمين
مثقلين بتجارب سابقة غير مشجعة.
• ⚡ محرك لشحذ الهمم والتحفيز: عبر أنشطة بسيطة وملهمة تجعل المتعلم يتطلع للدروس
المقبلة بروح جديدة.
ومن الأخطاء القاتلة في الممارسة التربوية بدء الحصة الأولى
بالمراجعة الصامتة في انتظار حضور البقية، أو الدخول مباشرة في تفاصيل المقرر
الدراسي، أو الحضور بدون إعداد مسبق. هذه الممارسات تجعل البداية ضعيفة وتؤثر سلبًا على دافعية المتعلمين
وانطباع هم الأول عن المادة والمعلم.
لذلك، يعد الإعداد الجيد للحصة الأولى ووضع سيناريو
واضح
أمرًا بالغ الأهمية. وسأخصص هذه التدوينة لتزيدك أبها المربي وأيتها المربية ببعض الخطوات العلمية لتدبير
أمثل للحصة الأولى مستوحاة من الممارسة الفصلية:
1️⃣ كسر الجليد : الترحيب والتعارف
:
البداية الدافئة تفتح
أبواب الثقة وتؤسس لمناخ صفّي إيجابي منذ اللحظة الأولى. خصّص الدقائق الأولى
للترحيب بالمتعلمين بروح مشجعة، مستخدمًا تعابير صادقة مثل: "سعيد بلقائكم اليوم" أو "سنعمل معًا لنصنع تجربة تعلم مفيدة وممتعة". عبّر لهم عن أملك الحقيقي في نجاحهم،
ورغبتك الأكيدة في أن يحققوا نتائج مشرفة، مع تقديم نفسك بشكل مختصر: الاسم،
الشهادة الدراسية، سنة التخرج، وعدد سنوات التدريس، وكل ما يعزز ثقتهم بك كمعلم
مؤهل.
لإضفاء حيوية على هذه
المرحلة، يمكنك اعتماد أنشطة تعارف قصيرة مثل:
·
📝 لعبة الأسماء: يذكر كل متعلم اسمه
وموهبته المفضلة، مع بعض التعليقات اللطيفة لتشجيع الحوار.
·
🎯
تدوين
الطموحات: يكتب المتعلم على ورقة صغيرة هدفًا أو طموحًا للسنة الجديدة، ثم يشاركه مع
زملائه.
رغم بساطتها، تساعد هذه
الخطوات على إرساء
مناخ نفسي آمن، وتشجع المتعلمين على الانخراط الكامل في الحصص المقبلة.
2️⃣ الطاقة الإيجابية : تصحيح التمثلات ورسم البداية
كثير من المتعلمين يدخلون الحصة الأولى مثقلين بتمثلات سلبية حول المادة أو
السنة الدراسية، مثل: "هذه المادة صعبة جدًا" أو "لن أستطيع النجاح فيها"، وأحيانًا حول ذواتهم ومستقبلهم (هزيمة سلبية). هنا تتجلى أهمية الحصة
الأولى في تحويل هذه الطاقة السلبية إلى دافعية إيجابية.
ابدأ بجلسة قصيرة تلعب فيها دور المستشار التربوي والنفسي، لاستكشاف
التمثلات عبر أسئلة مفتوحة تحفّز التفكير الذاتي، مثل:
- "ما الفرق بين الناجح والفاشل؟"
- "هل يمكن تحويل الفشل إلى نجاح؟"
- "هل من الضروري أن أكون عبقريًا لأكون ناجحًا؟"
- "كيف يمكننا تحويل تجارب الفشل إلى مسارات للنجاح؟"
خلال هذه الجلسة التفاعلية، اعمل على تصحيح المفاهيم الخاطئة حول
النجاح، مستعينًا بنماذج واقعية وقصص ملهمة:
·
📖
قصص أنبياء وشخصيات تاريخية واجهت الصعاب ولم تستسلم.
·
🏆علماء أو مبدعون ذوو إعاقات
تحدوا الظروف وحققوا إنجازات عظيمة.
·
📝
تجارب لأشخاص تغلبوا على إخفاقات مهنية أو حياتية ليصبحوا قدوة في الالتزام
والانضباط.
أبرز لهم أن الفشل ليس نهاية بل بداية ملهمة لصناعة النجاحات، وأن النجاح ليس صفة فطرية أو استثنائية، بل
هو نتيجة لمجموعة من المشاعر الإيجابية عن الذات، والأفكار الصحيحة، والمهارات
المكتسبة، والتي يمكن لأي متعلم تنميتها.
بعد ذلك، انتقل إلى تحفيزهم على التخطيط وصياغة الأهداف العملية كمقدمة
لصناعة النجاح، وذكرهم أن لا بديل ع التخطيط إلا الفوضى والعشوائية، ويمكن تدريبهم
عن ذلك عبر أنشطة من قبيل:
• ✍️ اطلب من كل متعلم كتابة هدف شخصي للسنة مع تحديد خطوات
صغيرة قابلة للتحقيق.
• ❓ أسئلة محفزة : "ما أول خطوة لتحقيق هدفك؟" أو
"كيف ستتابع تقدمك أسبوعيًا؟"
• 📅 أمثلة عملية: خطة أسبوعية للمراجعة أو
مشروع صغير لتحقيق هدف محدد.
كما يمكن تدعيم هذه المرحلة بأقوال ملهمة لتحفيز المتعلمين، مثل:
-
"ليس
الفشل أن تسقط، بل الفشل أن تبقى حيث سقطت" سقراط
-
"النجاح هو القدرة على الانتقال
من فشل إلى فشل دون فقدان الحماس" ونستون تشرشل
بهذه الطريقة، تتحول الحصة الأولى إلى مساحة للتفريغ من السلبية، وتصحيح
التمثلات الزائفة، وبناء دافعية إيجابية ووضع أهداف عملية واضحة، مما يمهد
الطريق لسنة دراسية مثمرة وفعّالة.
3️⃣ صياغة ميثاق القسم : تعزيز الانضباط والمسؤولية والتعاون
بعد مرحلة التحفيز،
شحذ الهمم وتصحيح التمثلات السلبية، يصبح المتعلم أكثر استعدادًا لاستشعار قيم
الانضباط، المسؤولية، والتعاون داخل الفصل. هنا تأتي أهمية صياغة ميثاق
القسم أو التعاقد البيداغوجي، وهي خطوة غالبًا ما يغفلها كثير من الممارسين،
لكنها أساسية لتأسيس ثقافة صفية واضحة ومستدامة.
-
أهمية الميثاق:
• 🏛 يرسخ الانضباط الذاتي ويحد الفوضى والسلوكيات غير المنتظمة.
• 🤝 يعزز المسؤولية
الفردية والجماعية، إذ يصبح لكل متعلم دور واضح في
نجاح البيئة الصفية.
• 💬 يقوي روح
التعاون والانخراط في التعلم المشترك، حيث يشعر المتعلم أنه شريك في صياغة قواعده.
• 📌 يوفر
مرجعًا عند اختلال السلوك أو الالتزام، مما يسهل العملية التربوية على المعلم
والمتعلم معًا.
-
عناصر الميثاق:
1.
✅واجبات المتعلم: الالتزام، الانضباط، المشاركة، احترام الزملاء والمعلم.
2.
🛡 حقوق المتعلم: التعلم في بيئة آمنة
ومحفزة، الحصول على الدعم، المكافأة على الإنجاز.
3.
📚 منهجية الاشتغال: تنظيم العمل الفردي
والجماعي، تسليم الواجبات، الالتزام بخطط الدروس.
4.
📝 طرق التقييم: المعايير وآليات التقييم
المستمر والنهائي.
5.
🎒 اللوازم والهندام: الالتزام بالزي
المدرسي والمستلزمات.
6.
⚠️ القيود والعواقب: توضيح ما يترتب على أي إخلال بالميثاق مع
تطبيق صرامة عادلة.
1. ✅واجبات المتعلم : الالتزام بالحضور، الانضباط أثناء
الدرس، المشاركة الفعّالة، احترام الزملاء والمعلم.
2. حقوق المتعلم: الحق في التعلم في بيئة آمنة ومحفزة، الحصول على الدعم عند الحاجة، التقدير
والمكافأة على الإنجازات.
3. 📚 طريقة ومنهجية الاشتغال : تنظيم العمل الفردي والجماعي، تسليم
الواجبات، الالتزام بخطط الدروس.
4. 📝 طرق التقييم : تحديد آليات التقييم المستمر
والنهائي، مع توضيح المعايير بوضوح للمتعلمين.
5. 🎒 اللوازم والهندام : الالتزام بالزي المدرسي أو المظهر
اللائق، حضور المستلزمات الضرورية للدرس.
6. ⚠️ القيود والعواقب : التوضيح بصراحة عنما يترتب على أي
إخلال بالميثاق، مع تطبيق صرامة تربوية عادلة ومتسقة.
-
منهجية
الاشتراك في الصياغة:
- 💡 اجعل المتعلمين يشاركون في صياغة الميثاق، من خلال اقتراح قواعد
ومناقشتها، ثم الاتفاق عليها بشكل جماعي.
- 📝 يمكن تدوين الميثاق على لوحة الفصل أو الورقة
الأولى في دفتر المادة لتذكير الجميع بالالتزام اليومي.
- 🖊 امنح المتعلمين فرصة التوقيع الرمزي
على الميثاق، ليشعروا بالملكية والمسؤولية تجاه البيئة الصفية.
بهذه الطريقة، يصبح
الميثاق مرجعًا حيًا وفعالًا، يضمن الانضباط والتنظيم ويخلق بيئة محفزة
للتعلم، بينما يضمن إشراك المتعلم في تحديد قواعد اللعبة التعليمية منذ
البداية.
2️⃣ الطاقة الإيجابية: تصحيح التمثلات ورسم البداية
كثير من المتعلمين يدخلون الحصة الأولى مثقلين بتمثلات سلبية سابقة حول المادة
"هذه المادة صعبة"، وحول السنة الدراسية أو "لن أستطيع النجاح
فيها"، واعقدها تمثلات حول ذواتهم
ومستقبلهم (الهزيمة السلبية) . هنا تتجلى أهمية الحصة الأولى في
تحويل هذه الطاقة السلبية إلى دافعية إيجابية.
لذلك، خصص بجلسة قصيرة تلعب فيها دور المستشار النفسي لاستكشاف التمثلات المتعلمين عبر أسئلة مفتوحة
تحفّز التفكير: ما الفرق بين الناجح والفاشل؟ هل
يمكن تحويل الفشل الى نجاح؟ هل م الضروري أن أكون عبقريا لكي أكون ناجحا ؟ كيف
يمكن ان نجعل من تجارب الفشل مسارات للنجاح؟
في خضم هذه الجلسة
التفاعلية ،اعمل على تصحيح المفاهيم الخاطئة
حول النجاح، مستعينًا بنماذج عملية: قصص شخصيات نجحت رغم الصعاب (مثل أنبياء،
علماء دوي الاعاقات، سجناء...)، أمثلة واقعية على الالتزام وتحقيق الأهداف، أو
نشاطات صغيرة توضح كيفية وضع أهداف واضحة وقابلة للتحقيق.
في هذا اللحظة حاول ان يدرك
المتعلم وأن الفشل ليس نهاية بل تجربة
وفرصة لصناعة النجاح ، وان النجاج ليس صفة طبيعية موروثة أو صفات استثنائية ، بل
هو نتيجة مشاعر وأفكار إيجابية عن الذات و مهارات مكتسبة ومتاحة للجميع تبدأ بالتخطيط وصياغة الأهداف العملية وتنظيم
الوقت: وفي هذا اللحظة يمكن تدريب
المتعلمين لصياغة أهدافهم عبر أنشطة من قبيل:
- اطلب من كل متعلم يكتب هدفًا
شخصيًا للسنة الدراسية، مع تحديد خطوات صغيرة لتحقيقه.
- استخدم أسئلة محفزة مثل: "ما أول
خطوة ستقوم بها لتحقيق هدفك؟" أو "كيف ستتابع تقدمك أسبوعيًا؟"
- قدم لهم نماذج تطبيقية: على
سبيل المثال، خطة أسبوعية لمراجعة الدروس أو مشروع صغير لتحقيق هدف محدد.
بهذه الطريقة، تتحول الحصة الأولى إلى مساحة للتفريغ من السلبية والتخلص من
التمثلات الزائفة وبناء دافعية إيجابية، ووضع أهداف عملية واضحة، ما يمهد
الطريق لسنة دراسية مثمرة وفعّالة.
4️⃣ خصوصية المادة: توضيح الهدف والارتباط بالمسار الدراسي:
كثير من المتعلمين لا
يدركون خصوصية كل مادة، أو علاقتها بمسارهم الدراسي ولماذا تم إدراجها ضمن
المنهج. وغالبًا ما يغفل الممارسون عن أهمية التذكير بهذه النقطة، رغم
أثرها الكبير على دافعية المتعلم وفهمه لأهمية التعلم. غير أن تمكين المتعلم من إدراك خصوصية المادة يساهم فيما يلي:
- 🎯 توضيح الهدف التعليمي: عندما يفهم المتعلم لماذا
يتعلم مادة معينة، يزداد شعوره بالمسؤولية والدافعية.
- 🔗 ربط
التعلم بالمسار الدراسي والمهني: إدراك العلاقة بين المادة وبقية المواد أو التخصصات المستقبلية يمنحه
رؤية أوسع لمستقبله الأكاديمي والمهني.
- 🏠 تعزيز
معنى التعلم في الحياة اليومية: يكتشف المتعلم كيف يمكن استخدام مهارات ومعارف المادة في حل مشكلات
الحياة الواقعية.
ويحرص المدرس في تعريفه بالمادة على التركيز على
العناصر التالية:
1. التعريف بالمادة: شرح ماهية المادة ومجالاتها الأساسية.
2. مميزاتها وخصائصها: ما الذي يجعل هذه المادة مختلفة ومميزة عن غيرها من المواد.
3. علاقتها بالمواد الأخرى: كيف تكمل المادة أو تدعم مواد أخرى ضمن المنهج الدراسي.
4. دورها في المسار الدراسي والمهني: أمثلة عملية على الاستفادة من
المادة في الدراسة المستقبلية أو مهن محددة. وفي هذا الحالة من الأفضل استخدم أمثلة واقعية أو قصص قصيرة تبرز دور المادة في الحياة اليومية أو في مهن مثيرة
للاهتمام.
5. أثرها في الحياة اليومية: ربط المفاهيم الأساسية بتطبيقات
حياتية واقعية، مثل مهارات التفكير التحليلي، حل المشكلات، والتخطيط. يمكنك
في الحالة طرح أسئلة تفاعلية، مثل:
"كيف يمكن استخدام هذه المادة لحل مشكلة تواجهك يوميًا؟" أو "أي
جانب من حياتك يمكن أن يستفيد من تعلم هذه المادة؟"، مع تقديم أمثلة مشوقة تبرز دور المادة في الحياة اليومية
بهذه الطريقة، يتحول التعلم من مجرد حفظ وتلقين إلى فهم واعٍ للغرض
والفائدة والهدف من المادة المدرسة، مما يعزز دافعية المتعلم ويساعده على
تقدير كل مادة ضمن سياق أوسع لمساره الدراسي والمهني.
5️⃣ الختام التفاعلي للحصة الأولى: ترسيخ الانطباع وبناء الدافعية
مع نهاية الحصة الأولى، من المهم أن يخرج المتعلم بانطباع إيجابي عن
المادة، المعلم، والفصل، وأن يشعر بأنه شريك فاعل في التعلم. لتحقيق ذلك:
- ⏱ خصص دقائق لمراجعة ما تمّ
تعلمه خلال الحصة بأسلوب تفاعلي: دع المتعلمين يشاركوا أهم ما استفادوا منه أو يكتبوها في نقطة محددة على
السبورة أو على ورق.
- 💬 شجع
على التعبير عن الانطباع الشخصي: كيف شعروا أثناء الحصة؟ ما الذي أثار اهتمامهم أكثر؟
- 🔗 اربط
كل ما تمّ خلال الحصة بـ السنة الدراسية المستقبلية: التمثلات الإيجابية،
الميثاق، الأهداف العملية، وفهم خصوصية المادة.
💡 ملاحظة مهمة: هذه الخطوات قد تستغرق منك حصة
أو حصتين ، لكن قيمتها حاسمة في رسم مسار تعلمي ناجح. البداية الجيدة تضع أساسًا متينًا
للتفاعل، الانضباط، والتحفيز، وتزيد من فرص المتعلمين في تحقيق نتائج مشرفة
ونجاح مستدام. وتذكر دائما أن "البدايات
الملهمة تصنع النهايات المشرقة"، وهذا ينطبق حرفيًا على الحصة الأولى؛
فهي لا تحدد مجرد يوم دراسي، بل تمهد لسنة كاملة من التعلم المثمر.
سعيد الشرقاوي
أستاذ مادة الفلسفة بسلك التعليم الثانوي
التـأهيلي
إرسال تعليق
إضافة تعليق على الموضوع مع عدم تضمنه لعبارات مسيئة
شكرا على مشاركتكم